للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقالت طائفة من أصحابنا، ومن الشافعية: يدعو الإمام للمأمومين عقب صلاة الفجر والعصر، لأنه لا يُتنفّل بعدهما.

وظاهر كلامهم أنه يجهر به، ويؤمّنون عليه، وفي ذلك نظر، وقد ذكرنا فيما تقدّم حديث دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- عقب الصلاة جهرًا، وأنه لا يصحّ، ولم يصحّ في ذلك شيء عن السلف.

والمنقول عن الإمام أحمد أنه كان يجهر ببعض الذكر عقب الصلاة، ثم يسرّ بالباقي، ويعقد التسبيح والتكبير والتحميد سرًا، ويدعو سرًا.

ومن الفقهاء من يَستَحب للإمام الدعاء للمأمومين عقب كلّ صلاة، وليس في ذلك سنّة، ولا أثر يُتّبع. والله تعالى أعلم انتهى كلام ابن رجب رحمه الله تعالى (١).

وقال الحافظ رحمه الله تعالى في "الفتح": عند قول البخاري رحمه الله: "باب الدعاء بعد الصلاة": ما نصه:

وفي هذه الترجمة ردّ على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يشرع، متمسّكًا بالحديث الذي أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن الحارث، عن عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سلّم لا يثبت إلا قدر ما يقول: اللَّهمّ أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام".

والجواب أن المراد بالنفي المذكور نفي استمراره جالسًا على هيئته قبل السلام إلا بقدر ما ذُكر، فقد ثبت أنه كان إذا صلّى أقبل على أصحابه. فيحمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل على أصحابه.

قال ابن القيّم في "الهدي النبويّ": وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة، سواء الإمام، والمنفرد، والمأموم، فلم يكن ذلك من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أصلاً، ولا روي عنه بإسناد صحيح، ولا حسن، وخصّ بعضهم ذلك بصلاتي الفجر والعصر، ولم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا الخلفاء بعده، ولا أرشد إليه أمته، وإنما استحسان رآه من رآه عوضًا من السنّة بعدهما، قال: وعامّة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها، وأمر بها فيها، قال: وهذا هو اللائق بحال المصلي، فإنه مقبل على ربّه مناجيه، فإذا سلّم منها انقطعت المناجاة، وانتهى موقفه وقربه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته، والقرب منه، وهو مقبل عليه، ثم يسأل إذا انصرف عنه؟، ثم قال: لكن الأذكار الواردة بعد المكتوبة يستحبّ لمن أتى بها أن يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن يفرغ منها، ويدعو بما


(١) "شرح البخاري" جـ ٧ ص ٤٢٠ - ٤٢١.