ذلك إذا ورد لها عدد مخصوص مع ثواب مخصوص، فزاد الآتي بها في أعدادها عمدًا لا يحصل له ذلك الثواب الوارد على الإتيان بالعدد الناقص، فلعلّ لتلك الأعداد حكمة وخاصيّةً، تفوت بمجاوزة تلك الأعداد وتعدّيها، ولذلك نُهي عن الاعتداء في الدعاء.
قال: وفيما قاله نظر، لأنه قد أَتَى بالمقدار الذي رُتّب على الإتيان به ذلك الثوابُ، فلا تكون الزيادة عليه مُزيلة له بعد الحصول بذلك العدد الوارد.
وقد ورد في الأحاديث الصحيحة ما يدلّ على ذلك، ففي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، في يوم مائة مرّة، كانت له عدل عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيّئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومَهُ ذلك حتى يُمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك … " الحديث.
ولمسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يصبح، وحين يُمسي: سبحان الله، وبحمده مائة مرّة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثلَ ما قال، أو زاد عليه".
وقد يقال: إن هذا واضح في الذكر الواحد الوارد بعدد مخصوص، وأما الأذكار التي يعقب كلّ عدد منها عدد مخصوص من نوع آخر، كالتسبيح، والتحميد، والتكبير عقب الصلوات، فقد يقال: إن الزيادة في كلّ عدد زيادةً لم يرد بها نص يقطع التتابع بينه وبين ما بعده من الأذكار، وربّما كان لتلك الأعداد المتوالية حكمة خاصة، فينبغي أن لا يزاد فيها على المشروع.
قال العراقي رحمه الله: وهذا محتمل لا تأباه النصوص الواردة في ذلك، وفي التعبّد بالألفاظ الواردة في الأذكار والأدعية، كقوله -صلى الله عليه وسلم- للبراء -رضي الله عنه-: "قل: ونبيك الذي أرسلت" انتهى.
قال الشوكاني رحمه الله: وهذا مسلّم في التعبّد بالألفاظ، لأن العدول إلى لفظ آخر لا يتحقق معه الامتثال، وأما الزيادة في العدد، فالامتثال متحقق، لأن المأمور به قد حصل على الصفة التي وقع الأمر بها، وكون الزيادة مغيّرةً له غير معقول.
وقيل: إن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد أتى بالزيادة، فقد حصل الامتثال، وإن زاد بغير نيّة لم يُعَدّ ممتثلا انتهى (١).