للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح": وقد بالغ القرافي رحمه الله في "القواعد"، فقال: من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعًا، لأن شأن العظماء إذا حَدُّوا شيئًا أن يوقف عنده، ويُعدّ الخارج عنه مسيئًا للأدب انتهى.

وقد مثله بعض العلماء بالدواء، يكون مثلاً فيه أُوقية سكّر، فلو زيد فيه أوقيّة أخرى لتخلف الانتفاع به، فلو اقتصر على الأوقيّة في الدواء، ثم أستعمل من السكّر بعد ذلك ما شاء لم يتخلّف الانتفاع.

ويؤيّد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكلّ منها عدد مخصوص مع طلب الإتيان بمجموعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص، لما في ذلك من قطع الموالاة، لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمة خاصة، تفوت بفواتها. والله أعلم انتهى ما في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الأرجح أن لا يزاد على العدد المخصوص، تأدّبًا مع الشارع، ولأن الئواب المعلّق بذلك العدد المعيّن لا يوجد يقينًا إلا بالمقدار الذي علّق عليه، فإذا زيد عليه كان محلّ شكّ، ولأن الظاهر أن التعبد يكون بالعدد كما يكون بالألفاظ، وقد أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على البراء -رضي الله عنه- قوله: "ورسولك الذي أرسلت"، فقال: "لا، ونبيك الذي أرسلت"، فتفريق الشوكاني رحمه الله بين الألفاظ والعدد في ذلك محلّ نظر.

وأما استدلالهم بحديث "الصحيحين" حيث قال: "إلا أحد عمل أكثر من ذلك"، فمن أبعد الاستدلال، لأنه نُصّ فيه على أن الزيادة مطلوبة، وإنما المائة أقلّ ما يحصل به الأجر المذكور، فكيف يقاس عليه ما حُدّ بعدد معين من غير إشارة إلى الزيادة، فهيهات هيهات؟.

والحاصل أن الوقوف عند التعليم النبوي كيفًا أو كَمًّا هو المتعين، لكونه محلّ يقين في الامتثال، وحصول الأجر المرتّب عليه، وأما المخالفة في الكيف، أو في الكمّ، فمحلّ شك، والعاقل يبني أمره على اليقين، لا على الشك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلتُ، وإليه أنيب".


(١) "فتح" جـ ٢ ص ٥٩٨ - ٥٩٩.