للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومعنى: "وزنة عرشه" أي بمقدار وزنه، يريد عِظَمَ قدره.

وقوله: "ومداد كلماته": يجوز أن يكون المراد قطر البحار، لقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} الآية [الكهف: ١٠٩]، ويجوز أن يكون المراد مصدر مَدَّ، ومداد الكلمات: المدد الواصل من الفيض الإلهي على أعيان الممكنات واحدًا، فواحدًا، بحسب ما يتعلّق بشخصه. وقال في "النهاية": "مداد كلماته"، أي مثل عددها، وقيل: قدر ما يوازيها في الكثرة، عيار كيل، أو وزن، أو ما أشبهه، وهذا تمثيل، يراد به التقريب، لأن الكلام لا يدخل في الكيل والوزن، وإنما يدخل في العدد. والمداد مصدر، كالمدد، وهو ما يكثّر به، ويزاد.

وقال الخطابي: المداد بمعنى المدد، وقيل: جمعه (١).

وقال السنديّ رحمه الله في "شرحه": "عدد خلقه" هو وما عطف عليه منصوبات بنزع الخافض، أي بعدد جميع مخلوقاته، وبمقدار رضا ذاته الشريفة، أي بمقدار يكون سببا لرضاه تعالى، أو بمقدار يرضى به لذاته، ويختاره، فهو مثل ما جاء "وملءَ ما شئت من شيء بعدُ"، وفيه إطلاق النفس عليه تعالى من غير مشاكلة. وبمقدار ثقل عرشه، وبمقدار زيادة كلماته، أي بمقدار يساويهما، يساوي العرش وزنًا، والكلمات عددًا.

وقيل: نصب الكلّ على الظرفيّة بتقدير "قَدْرَ"، أي قدرَ عدد مخلوقاته، وقدرَ رضا ذاته.

فإن قلت: كيف يصحّ تقييد التسبيح بالعدد المذكور، مع أن التسبيح هو التنزيه عن جميع ما لا يليق بجنابه الأقدس، وهو أمر واحد في ذاته، لا يقبل التعدد، وباعتبار صدوره عن المتكلّم لا يمكن اعتبار هذا العدد فيه، لأن المتكلّم لا يقدر عليه، ولو فُرض قدرته عليه أيضًا لما صحّ هذا العدد بالتسبيح إلا بعد أن صدر منه هذا العدد، أو عزم على ذلك، وأما بمجرد أنه قال مرّةً: سبحان الله لا يحصل منه هذا العدد؟.

قلت: لعلّ التقييد بملاحظة استحقاق ذاته الأقدس الأطهر أن يصدر من المتكلّم التسبيحُ بهذا العدد.

فالحاصل أن العدد ثابت لقول المتكلّم، لكن لا بالنظر إلى الوقوع، بل بالنظر إلى الاستحقاق، أي هو تعالى حقيق بأن يقول المتكلّم التسبيحَ في حقّه بهذا العدد. والله تعالى أعلم انتهى كلام السندي رحمه الله تعالى (٢). والله تعالى أعدم بالصواب، وإليه


(١) "زهر الربى" جـ ٣ ص ٧٧ - ٧٨.
(٢) "شرح السنديّ" جـ ٣ ص ٧٧ - ٧٨.