المسألة هو الحق الذي لا مرية فيه.
وحاصله أن الجمعة فرض عين على الرجال الأحرار البالغين الذين لا عذر لهم، لوضوح أدلته المذكورة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الخامسة: في اختلاف أهل العلم في العدد الذي تنعقد به الجمعة:
(اعلم): أن جملة ما للعلماء من الأقوال في هذه المسألة -على ما ذكره في "الفتح"- خمسة عشر قولًا:
(١) تصحّ من الواحد. نقله ابن حزم، وحكاه الدارمي عن القاشاني، وحكي عن الحسن بن صالح.
(٢) اثنان كالجماعة، وهو قوله النخعيّ، وأهل الظاهر.
(٣) اثنان مع الإمام، وهو قول أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وحُكي عن الأوزاعي، وأبي ثور.
(٤) ثلاثة معه، وهو قول أبي حنيفة، وروي عن الأوزاعي، وأبي ثور أيضاً، واختاره المزني، والسيوطي، وحكاه عن الثوري، والليث.
(٥) سبعة، وحكي عن عكرمة.
(٦) تسعة. وحكي عن ربيعة.
(٧) اثنا عشر. وحكي عن ربيعة في رواية، ونقل عن الزهري، والأوزاعي، ومحمد بن الحسن.
(٨) مثله غير الإِمام. نقل عن إسحاق.
(٩) عشرون. وهو رواية ابن حبيب عن مالك.
(١٠) ثلاثون، في روايته أيضاً عن مالك.
(١١) أربعون، وهو قول الشافعي، وطائفة.
(١٢) أربعون غير الإِمام، روي عن الشافعي أيضًا، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وطائفة.
(١٣) خمسون. روي عن أحمد، وفي رواية عن عمر بن عبد العزيز.
(١٤) ثمانون. حكاه المازريّ.
(١٥) جمع كثير بغير قيد، حكى عن مالك. قال الحافظ: ولعلّ هذا الأخير أرجحها من حيث الدليل انتهى.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله بعد ذكر هذه الأقوال: إنه لا مستند لاشتراط ثمانين، أو ثلاثين، أو عشرين، أو تسعة، أو سبعة، كما أنه لا مستند لصحتها من الواحد المنفرد.
وأما من قال: إنها تصحّ باثنين، فاستدلّ بأن العدد واجب بالحديث، والإجماع، ورأى أنه لم يثبت دليل على اشتراط عدد مخصوص، وقد صحت الجماعة في سائر الصلوات باثنين، ولا فرق بينها وبين الجماعة، ولم يأت نصّ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا، وهذا القول هو الراجح عندي.
وقال في موضع آخر: وقد انعقدت سائر الصلوات باثنين بالإجماع، والجمعه صلاة، فلا تختص بحكم يُخالف غيرها إلا بدليل، ولا دليل على اعتبار عدد فيها زائد على المعتبر في غيرها. وقد قال عبد الحق: إنه لا يثبت في عدد الجمعة حديث. وكذلك قال السيوطيّ: لم يثبت في شيء من الأحاديث تعيين عدد مخصوص انتهى كلام