الشوكاني رحمه الله تعالى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله الشوكاني رحمه الله حسن جدًّا.
وحاصله أن الجمعة تنعقد باثنين، فما فوق، لحديث طارق بن شهاب -رضي الله عنه- مرفوعًا: "الجمعة حق واجب على كلّ مسلم في جماعة … " الحديث، وقد تقدم أنه حديث صحيح، وقد أجمعوا على أن أقل الجماعة في سائر الصلوات اثنان، فوجب كون أقل عدد الجماعة في الجمعة اثنين أيضًا، إذ لا فرق بينها وبين غيرها من الصلوات في هذا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة السادسة: في اختلاف أهل العلم في الأماكن التي تجب الجمعة على أهلها:
قال الإمام أبو بكر ابن المنذر رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم في الأمصار والقرى التي يجب على أهلها الجمعة:
فقال طائفة: كل قرية فيها جماعة أن يصلّوا الجمعة، روينا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "إن أول جمعة جمّعت بعد جمعة بالمدينة، لَجُمعة جمّعت بجُوَاثَى من البحرين".
وروينا عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمّعون، ولا يعيب ذلك عليهم.
وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أهل المياه بين مكة والمدينة أن يُجمّعوا.
وقال طائفة: كلّ قرية عليهم أمير يُجمّع فبها، وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب أيما قرية فيها أمير، يقضي، ويقيم الحدود، فإنه يُجمّع فيها. وقال الأوزاعي: كل مدينة، أو قرية عليها أمير، أُمرُوا بالجمعة، فليجمّع بهم أميرهم. وقال الليث بن سعد: كل مدينة، أو قرية فيها جماعة، وعليهم أمير أُمروا بالجمعة، فليُجمّع بهم.
وقالت طائفة: لا جمعة، ولا تشريق إلا في مصر جامع، يُروى هذا القول عن علي -رضي الله عنه-.
وبه قال النخعي، وكان الحسن البصريّ، ومحمد بن سيرين، يقولان: لا جمعة إلا في مصر، أو قال: في الأمصار.
وقال الحسن: إن عمر مصّر سبعة أمصار، أو قال: مصّر الأمصار سبعة: المدينة، والبحربن، والبصرة، والكوفة، والجزيرة، والشام، ومصر.
وقال النعمان، وابن الحسن: لا تجب الجمعة، إلا على أهل الأمصار، والمدائن، وحكي عن يعقوب أنه قال: تفسير المصر الجامع والمدينة: كلّ مصر، ومدينة فيها منبر (١) وقاض يُنفّذ الأحكام، ويجوز حكمه، ويقيم الحدود، قال: فهذا مصر جامع،
(١) هكذا نسخة "الأوسط" "منبر"، ولعل الصواب "أمير". والله أعلم.