قال المنذريّ: في هذا الحديث دليل لمن فسّر قوله: "غسل" بغسل الرأس انتهى. والله تعالى أعلم.
(وَغَدَا) أي خرج إلى الجمعة أوّل النهار (وَابْتَكَرَ) أي أدرك أول الخطبة. ولفظ أبي داود:"وبكر" بدل "غدا"، وهو بالتشديد على المشهور، أي بادر إلى صلاة الجمعة، أو إلى الجامع، أو راح في الساعة الأولى، وكلّ من أسرع إلى الشيء، فقد بكّر إليه.
وقيل: معنى "بكر"، و"ابتكر" وأحد كرّره للمبالغة، وليس المخالفة بين اللفظين لاختلاف المعنيين، وبه جزم ابن العربيّ. وقيل:"بكر" بمعنى أتى الصلاة في أول وقتها، وكلّ من أسرع إلى الشيء فقد بكر إليه، و"ابتكر" أي أدرك أول الخطب، وأولُ كل شيء باكورته، وابتكر الرجل: إذا أكل باكورة الفاكهة. وقيل:"بكر" بمعنى تصدّق قبل خروجه. قاله ابن الأنباري، وتأول في ذلك ما روي في الحديث:"باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطاها". وهو حديث ضعيف جدًا، أخرجه الطبراني في "الأوسط"، والبيهقي عن أنس -رضي الله عنه-.
والراجح -كما قال العراقي- أن "بكر" بمعنى راح في أول الوقت، و"ابتكر" بمعنى أدرك أول الخطبة (١).
زاد في الرواية الآتية من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث:"ومشى، ولم يركب". قيل: هما بمعنى، وجمع بينهما تأكيدًا، ودفعًا لما يتوهّم من حمل المشى على مجرد الذهاب، ولو راكبًا، أو حمله على تحقق المشي، ولو في بعض الطريق.
(وَدَنَا منَ الإمَام) أي قرب منه. زاد في الرواية الآتية:"وأنصت" أي استمع. وفيه أنه لابد من اجتماع الأمرين جميعًا، فلو استمع، وهو بعيد، أو قرب، ولم يستمع لم يحصل له هذا الأجر. والله تعالى أعلم.
(وَلَمْ يَلْغُ) بضم الغين المعجمة، يقال: لغا يلغو، من باب نصر: أي لم يتكلّم، فإن الكلام حال الخطبة لغو. قاله النووي. أو استمع الخطبة، ولم يشتغل بغيرها. قاله الأزهري.
(كَانَ لَهُ بكُلِّ خُطْوَة) بضم المعجمة: بُعد ما بين الرجلين في المشي، وجمعه خُطَى، وخُطوات، كغُرَف، وغُرفات، بضم الراء في الأول، وضمها، وفتحها في الثاني، وبفتح الخاء: المرّة، وجمعها خَطَوَات، كشَهَوَات.