ويؤيده قوله:"فيء يُستظلّ به"؛ لأن فيه إثبات الفيء، وإنما المنفي الاستظلال به، فيدلّ على أنهم صلّوا بعد الزوال.
ويحتمل أن يكون مذهبه جواز صلاة الجمعة قبل الزوال -كما هو مذهب الإِمام أحمد، وطائفة من السلف، كما سنذكره- فيكون الحديث الأول دليلًا لجوازها قبل الزوال، وكذلك حديث جابر الأول، على جعل قوله:"زوال الشمس" للرجوع، وأما على جعله للصلاة فيكون دليلًا لجوازها وقت الزوال، أو قريبًا منه، وكذا حديث سلمة -رضي الله عنه- دليل لما بعد الزوال، فيكون المصنف رحمه الله تعالى أورد أدلة جوازها قبل الزوال وبعده. والله تعالى أعلم بالصواب.
كلهم تقدّموا قريباً، فقتيبة، ومالك تقدما قبل بابين، والباقون تقدّموا في الباب الماضي، وكذا تقدم شرح الحديث، والكلام على مسائله، وهو متفق عليه، ولْنُوَضّح ما لم يُذكَر إيضاحه فيما سبق.
فقوله:"غسل الجنابة" منصوب على أن مفعول مطلق على النيابة، والأصل: غسلًا كغسل الجنابة.
وذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في "شرح البخاري" أنّ للعلماء في تأويله قولين:
أحدهما: أن المراد به تعميم الجسد بالغسل كما يُعمّمه بغسل الجنابة، ويشهد لذلك الحديث الآخر الذي فيه:"فيغسل رأسه، وجسده"، فيكون المعنى: اغتساله للجمعة كاغتساله للجنابة في المبالغة، وتعميم البدن بالماء، وهذا قول أكثر الفقهاء من الشافعية، وغيرهم.
الثاني: أن المراد به غسل الجنابة حقيقةً، وأنه يستحب لمن له زوجة، أو أمة أن يطأها يوم الجمعة، ثم يغتسل، وهذا هو المنصوص عن أحمد، وحكاه عن غير واحد من التابعين، منهم هلال بن يساف، وعبد الرحمن بن الأسود، وغيرهما،