للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

موجب لتأويل بعضها.

وقد وقع من جماعة من الصحابة التجميع قبل الزوال، وذلك يدلّ على تقرر الأمر لديهم، وثبوته انتهى (١).

وقال في "نيل الأوطار" عند شرح حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه-: "ما كنا نَقيل، ولا نتغدى إلا بعد الجمعة": ما حاصله: فيه دليل لمن قال بجواز صلاة الجمعة قبل الزوال، ووجه الاستدلال به أن الغداء، والقيلولة محلهما قبل الزوال، وحكوا عن ابن قُتيبة أنه قال: لا يُسمَّى غداء، ولا قائلة إلا بعد الزوال، وأيضًا قد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب خطبتين، ويجلس بينهما، يقرأ القرآن، ويذكّر الناس، كما في مسلم من حديث أم هشام بنت حارثة، أخت عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت: "ما حفظت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إلا من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو يقرؤها على المنبر كلّ جمعة".

وعند ابن ماجه من حديث أبيّ بن كعب -رضي الله عنه-: "أن النبي قرأ تبارك يوم الجمعة، وهو قائم يذكّر بأيام الله"، وكان يصلي الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين، كما ثبت ذلك عند مسلم من حديث عليّ، وأبي هريرة، وابن عباس -رضي الله عنهم-.

ولو كانت خطبته، وصلاته بعد الزوال لما انصرف منها إلا وقد صار للحيطان ظلّ يُستظلّ به، وقد خرج وقت الغداء والقائلة.

وأصرح من هذا حديث جابر -رضي الله عنه- المتقدِّم، فإنه صرّح بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة، ثم يذهبون إلى جمالهم، فيُريحونها عند الزوال. ولا مُلجىء إلى التأويلات اللمتعَسَّفَة التي ارتكبها الجمهور انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي حققه العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى هو الحق الذي ينبغي التمسك به؛ لوضوح أدلته.

وحاصله أنّ صلاة الجمعة تجوز قبل الزوال، ولكن الأولى أن تُصَلَّى بعده؛ لأنه غالب فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، والخلفاء الراشدين، ومن بعدهم، وهذا هو الصواب الذي لا يؤدي إلى التكلف بتأويل كثير من النصوص، وإحراجه عن ظواهره، مع أنه لا مُلجىء إلى ذلك بعد أن ثبت عن كثير من السلف العمل بما دلّ عليه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.


(١) "السيل الجرّار على حدائق الأزهار" جـ ١ ص ٢٩٦ - ٢٩٧.
(٢) "نيل الأوطار" جـ ٣ ص ٣٠٩ - ٣١٠.