وقول ابن المنذر: إن هذا الحديث لا يثبت هو متابعة لقول البخاريّ، وأحمد أعرف بالرجال من كلّ من تكلّم في هذا الحديث، وقد استدلّ به، واعتمد عليه.
وقد عَضَدَ هذا الحديث أنه قد صح من غير وجه أن القائلة في زمن عمر، وعثمان، كانت بعد صلاة الجمعة، وصح عن عثمان أنه صلى الجمعة بالمدينة، وصلى العصر بمَلَل. خرجه مالك في "الموطإ".
وبين المدينة وملل اثنان وعشرون ميلًا، وقيل: ثمانية عشر، ويبعد أن يلحق هذا السير بعد زوال الشمس.
وروى شعبة عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن سَلمَة، قال: صلى بنا عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- الجمعة ضُحًى، وقَال: خشيت عليكم الحرّ.
وروى الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن سويد، قال: صلى بنا مُعاوية الجمعة ضحى.
وروى إسماعيل بن سميع، عن بلال العَبْسي، أن عمارًا صلى للناس الجمعة، والناس فريقان: بعضهم يقول: زالت الشمس، وبعضهم يقول: لم تَزُل.
أخرج هذه الآثار كلها ابن أبي شيبة في "مصنّفه" جـ ٢/ ١٠٧ - ١٠٨. انتهى كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى باختصار وتصرف (١).
قال العلّامة الشوكاني رحمه الله تعالى في كتابه "السيل الجَرَّار".
(اعلم): أن الأحاديث الصحيحة، قد اشتمل بعضها على التصريح بإيقاع صلاة الجمعة وقت الزوال، كحديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- في "الصحيحين"، وغيرهما، قال: "كنّا نُجَمِّع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس".
وبعضها فيه التصريح بإيقاعها قبل الزوال، كما في حديث جابر -رضي الله عنه- عند مسلم، وغيره: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة، ثمّ يذهبون إلى جمالهم، فيريحونها حين تزول الشمس".
وبعضها محتمل لإيقاع الصلاة قبل الزوال، وحاله، كما في حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- في "الصحيحين"، وغيرهما، قال: "ما كنا نَقيلُ، ولا نتغدّي إلا بعد الجمعة". وكما في حديث أنس -رضي الله عنه- عند البخاريّ، وغيره، قال: "كنّا نصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- الجمعة، ثمّ نرجع إلى القائلة، فنَقيل".
ومجموع هذه الأحاديث يدلّ على أنّ وقت صلاة الجمعة حال الزوال، وقبله، ولا
(١) "شرح صحيح البخاري" جـ ٨ ص ١٦٩ - ١٨٠.