للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"قم، فاركع ركعتين، وتجوّز فيهما"، ثم قال: "إذا دخل أحدكم إلى الجمعة، والإمام يخطب، فليركع ركعتين، ويتجوّز فيهما".

قال: ومما يزيد ذلك ثباتًا فعل أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- ذلك، وهو الراوي بهذه (١) القصة، دخل، ومروان يخطب، فقام يصلي الركعتين، فجاء إليه الأحراس ليُجلسوه، فأبى حتى صلى الركعتين، وقال: ما كنت أدعهما لشيء بعد شيء رأيته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذكر الحديث.

قال ابن المنذر رحمه الله: وفي قوله: "إذا جاء أحدكم إلى الجمعة، والإمام يخطب، فليركع ركعتين" بعد أن علّم سُليكاً أبينُ البيان بأن ذلك عامّ للناس انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله تعالى باختصار (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله الإِمام ابن المنذر رحمه الله تعالى في هذه المسألة، ورجحه حسنٌ جدًّا.

وقد حقق البحث في هذه المسألة الحافظ رحمه الله تعالى في "الفتح"، فذكر أدلّة الفريقين، وناقشها بما لا يوجد في غيره، فقال:

واستُدلّ به على أن الخطبة لا تمنع الداخل من صلاة تحية المسجد.

وتُعُقّب بأنها واقعة عين لا عُموم لها، فيحتمل اختصاصها بسُليك، ويدلّ عليه قوله في حديث أبي سعيد الذي أخرجه أصحاب السنن وغيرهم: "جاء رجل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، والرجل في هيئة بذَّة، فقال له: "أصليت؟ قال: لا، قال: "صلّ ركعتين، وحَضَّ الناس على الصدقة … " الحديث، فأَمَرَهُ أن يصلي ليراه بعض الناس، وهو قائم، فيُتَصدَّق عليه.

ويؤيِّده أن في الحديث عند أحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن هذا الرجل دخل المسجد في هيئة بذّة، فأمرته أن يُصلي ركعتين، وأنا أرجو أن يَفطن له رجل، فيُتَصدَّقَ عليه".

وعُرف بهذه الرواية الردّ على من طعن في هذا التأويل، فقال: لو كان كذلك لقال لهم: إذا رأيتم ذا بَذَّةٍ، فتصدّقوا عليه، أو إذا كان أحد ذا بذّة، فليقم، فليركع حتى يتصدّق الناس عليه.

والذي يظهر أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعتني في مثل هذا بالإجمال دون التفصيل، كما كان يصنع عند المعاتبة.

ومما يُضعف الاستدلال به أيضاً على جواز التحية في تلك الحال أنهم أطلقوا أن


(١) هكذا نسخة "الأوسط" بالباء، ولعل الأولى "لهذه القصة" باللام.
(٢) "الأوسط" جـ ٤ ص ٩٤ - ٩٦.