اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَةُ، كَحَنِينِ النَّاقَةِ، حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى نَزَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَاعْتَنَقَهَا، فَسَكَتَتْ).
رجال هذا الإسناد: خمسة:
١ - (ابن جُريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة فقيه فاضل، يدلس، ويرسل [٦] تقدّم ٢٨/ ٣٢.
٢ - (أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تَدْرُس المكي، صدوق، يدلس [٤] تقدم ٣١/ ٣٥.
والباقون تقدّموا قريباً، فشيخه، وابن وهب، تقدما قبل بابين، والصحابي في الباب الماضي. والله تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
منها: أنه من خمسيات المصنف رحمه الله تعالى. ومنها: أن رجاله كلهم رجال الصحيح. ومنها: أنه مسلسل بالمكيين, فقد سكن جابر مكة, غير شيخه، وشيخ شيخه, فمصريان. ومنها: أن فيه جابراً رضي الله تعالى عنه من المكثرين السبعة. والله تعالى أعلم.
شرح الحديث
عن جابر -رضي الله عنه- أنه (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَطَبَ يَسْتَنِدُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ) بكسر الجيم، وسكون الذال المعجمة، أي ساقها، قال الفيومى رحمه الله:"الجذع" بالكسر: ساق النخلة، ويُسمّى سَهْم السقف جذعاً، والجمع جُذُوع، وأجذاع انتهى (مِن سَوَاري الْمَسْجِد) متعلق بصفة محذوف لـ"جذوع"، أو حال منه.
و"السواري" جمع سارية، كجارية وجواري، وهي الأُسطوانة (فَلَمَا صُنعَ الْمنْبَرُ) بكسر الميم: مرقاة الخطيب، سمي منبراً لارتفاعه، وعُلُوِّه، ويقال: انتبر الأميرُ: ارتفع فوقا المنبر. أفاده في "اللسان".
وهذا المنبر صنعه له -صلى الله عليه وسلم- غلام امرأة من الأنصار، فقد أخرج البخاري عن أبي حازم، أن رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعديّ -رضي الله عنه-، وقد امْتَرَوا في المنبر ممَّ عُودُه، فسألوه عن ذلك؟ فقال: والله إني لأعرف مما هو؟، ولقد رأيته أول يوم وُضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى فلانة امرأة من الأنصار، قد سماها سهل، مُري غلامك النجّار أن يعمل لي أعواداً، أجلس عليهن، إذا كلمت الناس، فأمرته، فعملها من طَرْفاء الغابة، ثم جاء بها، فأَرسَلَتْ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،