واستُدلّ للأول بحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- عند البخاري: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- جلس ذات يوم على المنبر، وجلسنا حوله". وبحديث سهل -رضي الله عنه- عند البخاري أيضاً: "مري غلامك النجار يعمل لي أعواداً أجلس عليهن … ".
وأجيب عن الأول بأنه كان في غير خطبة الجمعة. وعن الثاني باحتمال أن تكون الإشارة إلى الجلوس أول ما يصعد، وبين الخطبتين.
واستُدلّ للجهور بحديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- عند مسلم: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم، فيخطب قائماً، فمن نبّأك أنه كان يخطب جالساً، فقد كذب".
وبحديث كعب بن عُجرة -رضي الله عنه- المذكور في الباب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس: "خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القيام، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وأول من جلس على المنبر معاوية".
وبمواظبة النبي -صلى الله عليه وسلم- على القيام، وبمشروعية الجلوس بين الخطبتين، فلو كان القعود مشروعاً في الخطبتين ما احتيج إلى الفصل بالجلوس, ولأن الذي نُقل عنه القعود كان معذوراً.
فعند ابن أبي شيبة من طريق الشعبي أن معاوية إنما خطب قاعداً لما كثر شحم بطنه ولحمه.
وروى سعيد بن منصور عن الحسن، قال: "أول من استراح في الخطبة يوم الجمعة عثمان، وكان إذا أعيى جلس، ولم يتكلم حتى يقوم، وأول من خطب جالساً معاوية".
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبا بكر، وعمر، وعثمان كانوا يخطبون يوم، الجمعة قياماً، حتي شقّ على عثمان القيام، فكان يخطب قائماً، ثم يجلس، فلما كان معاوية خطب الأولى جالساً، والأخرى قائماً".
ولا حجة في ذلك لمن أجاز الخطبة قاعداً؛ لأنه تبين أن ذلك للضرورة.
وأما من احتجّ بأنه لو كان شرطاً ما صلى من أنكر ذلك مع القاعد.
فجوابه أنه محمول على أن من صنع ذلك خشي الفتنة، أو أن الذي قعد باجتهاد، كما قالوا في إتمام عثمان الصلاة في السفر، وقد أنكر ابن مسعود، ثم إنه صلى خلفه، فأتمّ معه، واعتذر بأن الخلاف شرّ. ذكره في "الفتح".
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن القول بعدم وجوب القيام للخطبة هو الحقّ, لأن من أوجبه ما استدلّ إلا بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو بمجرده لا يكفي في إثبات الوجوب، فالمستحب أن يخطب قائماً، اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والخلفاء الراشدين، إلا