للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والقول الثاني للشافعي أن الإنصات سنة، والكلام ليس بحرام، وهو نصّه في "الجديد"، وهو رواية عن أحمد، حكاها ابن قُدَامة.

وقال ابن المنذر: كان النخعي، وسعيد بن جبير، وإبراهيم بن مُهاجر، والشعبيّ، وأبو بردة يتكلمون، والحجاج يخطب، وقال بعضهم: إنّا لم نُؤمر أن ننصت لهذا. قال ابن المنذر: وأتباع السنة أولى انتهى.

قال العراقي رحمه الله: فيحتمل أن يراد بـ"هذا" الإشارةُ للحجاج، لما كان فيه من الظلم، وهو الظاهر، ويحتمل أن يراد لهذا الأمر.

قال وليّ الدين: ويحتمل أن تكون الإشارة إلى كلام بعينه أتى به الحجاج، لا ينبغي سماعه، لما فيه من لسب الصحابة -رضي الله عنهم-، أو الأمر بالظلم، وما لا يجب امتثاله، أو عند قراءة كتب وردت عليه من الخليفة، فيها ما لا ينبغي فعله.

وقد قال ابن حزم: روينا من طريق سفيان الثوريّ، عن مُجالد، قال: رأيت الشعبي، وأبا بردة بن أبي موسى الأشعريّ يتكلمان، والحجاج يخطب، حين قال: لعن الله، ولعن الله, فقلت: تتكلمان في الخطبة؟ فقالا: لم نؤمر بأن ننصت لهذا.

وعن إبراهيم النخعيّ: أنه كان يتكلم، والإمام يخطب زمن الحجاج.

قال ابن حزم: كان الحجاج، وخطباؤه يلعنون علياً، وابن الزبير -رضي الله عنهم-. وذكر ابن عبد البرّ أن عبد الله بن عروة كان يُنصت للخطيب، فإذا شتم عليًّا تكلّم، ويقول: إنا لم نؤمر أن ننصت لهذا.

وقد روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن الشعبيّ، ومحمد بن عليّ بن الحسين أنه لا بأس بالكلام، والصحف تقرأ يوم الجمعة. وعن أبي بردة، وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا يتكلمان في هذه الحالة. وعن حماد بن أبي سليمان إنما كان السكوت قبل اليوم إذا وعظوا بكتاب الله، وقالوا فيه، فنسكت لصحفهم هذه؟. وعن الحسن البصري أنه كان يكره الكلام، والصحف تقرأ. وعن إبراهيم النخعيّ أنه قيل له: إن الكتب تجيء من قبل قُتيبة، فيها الباطل والكذب، فأكلّم صاحبي، أو أنصت؟ قال: لا، بل أنصت -يعني في الجمعة- فطرد النخعيُّ والحسن منع الكلام في الخطبة، وسَدَّا البَابَ في ذلك.

قال ابن بطال: ورى ابن وهب، وابن قانع، وعليّ بن زياد، عن مالك أن الإِمام إذا لغى، وشتم الناس، فعلى الناس الإنصات، ولا يتكلّمون.

ورُويَ عنه: إذا خطب في أمر ليس من الخطبة من أمر كتاب يقرؤه، أو نحو ذلك، فليس على الناس الإنصاف.

ورأى الليث إذا أخذ الإِمام في غير ذكر الله، والموعظة أن يتكلّم، ولا يُنصت انتهى.