رسول الله رجل غريبٌ، جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه؟، قال: فأقبل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وترك خطبته، حتى انتهى إليّ، فأُتي بكرسيّ، حسبت قوائمه حديداً، قال فقعد عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجعل يُعلّمني مما علّمه الله، ثم أتى خطبته، فأتمّ آخرها".
ففيه قطع النبي -صلى الله عليه وسلم- خطبته لتعليم هذا الرجل، وهو قطع طويل، فالحق أن القطع للحاجة جائز، ولا يلزمه بذلك استئنافه، بل يستمر من حيث وصل إليه، والله تعالى أعلم.
(فَحَمَلَهُمَا) أي لما وضع الله تعالى فيه من الرأفة وشدة الرحمة.
(ثُمَّ عَاد) أي رجع (إِلَى الِمنْبَر، ثُمِّ قَالَ: صَدَقَ اللهُ) ولفظ أحمد، وابن خزيمة: "صدق الله ورسوله" ({إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}) أي شاغلة لكم عن أمور الآخرة. ومحلّ "إنما أموالكم الخ" نصب بالقول المقدر، أي صدق الله حيث قال: إنما أموالكم الخ.
وإنما كانت فتنة لأنها اختبار من الله تعالى لعباده، ليظهر من يشغله ذلك عن الطاعة، فتكون نقمة عليه، ومن لا تشغله، فتكون نعمة عليه، فمن رجع إلى الله تعالى، ولم يشتغل بماله وولده، وجاهد نفسه، فقد فاز، ومن اشتغل بهما فقد هلك.
ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- معصوم من الاشتغال بغير الله تعالى، فيكون المراد بالفتنة هنا مجرّد ميل لا يشغله عن الله تعالى.
(رَأَيْتُ هَذَيْنِ يَعْثُرَانِ في قَمِيصَيْهِمَا، فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ كَلَامِي، فَحَمَلْتُهُمَا) زاد ابن خزيمة من طريق زيد بن الحُبَاب، عن حسين بن واقد: "ثم أخذ في خطبته". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث بريدة بن الْحُصيب رضي الله تعالى عنه هذا صحيح.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٣٠/ ١٤١٣ - وفي "الكبرى" -٣٤/ ١٧٣١ - عن محمد بن عبد العزيز، عن الفضل بن موسى، عن حسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه. وفي -٢٧/ ١٥٨٥ - و"الكبرى" -٢٥/ ١٧٩٠ - عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبي تُميلة يحيى ابن واضح، عن حسين بن واقد به.
وأخرجه (د) -١١٥٩ (ت) ٣٧٧٤ (ق) ٣٦٠٠ - (أحمد) ٥/ ٣٥٤ (ابن خزيمة)