للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسألة الثالثة: في فوائده:

منها: ما ترجم له المصنف رحمه الله تعالى، وهو استحباب تقصير الخطبة، هذا هو الذي صرح به المصنف رحمه الله تعالى.

لكن جاء ما يدلّ على وجوبه، حيث ورد بصيغة الأمر، فقد أخرج مسلم في "صحيحه" عن أبي وائل، قال: خطبنا عمّار، فأوجز، وأبلغ، فلما نزل، قلنا: يا أبا القظان، لقد أبلغت، وأوجزت، فلو كنت تنفّستَ (١)، فقال: إنى سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مَئِنّةٌ (٢) من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصُرُوا الخطبة، وإن من البيان لسحراً".

وأخرجه أبو داود، والبيهقي بسند حسن في المتابعات مختصراً بلفظ: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإقصار الخطبة". ورواه ابن أبي شيبة بلفظ: "خطبنا عمار، فتجوّز في الخطبة، فقال رجل: قد قلتَ قولاً شفاءً، لو أنك أطلت، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن نُطيل الخطبة".

فالظاهر وجوب تطويل الصلاة، وتقصير الخطبة، والله تعالى أعلم.

ومنها: استحباب الإكثار من ذكر الله تعالى، والتقليل من الكلام الذي لا فائدة فيه.

ومنها: بيان ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من التواضع، وعدم التكبر على أحد من الخلق، فكان لين الجانب، يمشي مع الأرملة، والفقير لقضاء حاجتهما، ولقد صدق الله تعالى حيث قال سبحانه في شأنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤]، وقال سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} الآية [آل عمران: ١٥٩]، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال: "بُعثتُ لأتمّم صالح الأخلاق" (٣). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: في مذاهب أهل العلم في حكم الخطبة:

ذهب جمهور الفقهاء، ومنهم مالك، والشافعي، وأحمد إلى أن الخطبتين من شروط صحة الجمعة. وذهب أبو حنيفة إلى أنها شرط، ولكن تجزىء خطبة واحدة، وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري أن الجمعة تصح بلا خطبة. وبه قال داود، وعبد الملك من أصحاب مالك. قال القاضي عياض: وروي عن مالك. أفاده النووي في "المجموع" ٤/ ٣٨٣٠.


(١) أي أطلت قليلاً.
(٢) بفتح الميم، ثم همزة مكسورة، ثم نون مشددة: أي علامة.
(٣) أخرجه أحمد في "مسنده" بسند صحيح رقم ٩٥٩٥.