قال الجامع عفا الله تعالى عنه: القول بصحة الجمعة بلا خطبة هو الحقّ عندي؛ لعدم دليل يَدُلُّ على الاشتراط. ولقد حققّ هذا الموضوع ابن حزم رحمه الله، فقال في الردّ على من اشترط ذلك: ما نصه: فأما أبو حنيفة ومالك فقالا: الخطبة فرض لا تجزىء صلاة الجمعة إلا بها، والوقوف في الخطبة فرض، واحتجا بفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم تناقضاً، فقالا: إن خطب جالساً أجزأه، وإن خطب واحدة أجزأه، وإن لم يخطب لم يجزه. قال: من الباطل أن يكون بعض فعله -صلى الله عليه وسلم- فرضاً وبعضه غير فرض. وقال الشافعي: إن خطب خطبة واحد لم تجزه الصلاة، ثم تناقض، فأجاز الجمعة لمن خطب قاعداً، والقول عليه في ذلك كالقول على أبي حنيفة ومالك في إجازتهما الجمعة بخطبة واحد ولا فرق. قال: فإن ادعوا إجماعاً أكْذَبَهُمْ ما رويناه عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن البصري: من لم يخطب يوم الجمعة صلى ركعتين على كل حال. وقد قاله أيضاً ابن سيرين. قال: فإن قالوا: لم يصلها -صلى الله عليه وسلم- قط إلا بخطبة، قلنا: ولا صلاها قط إلا بخطبتين قائمًا يجلس بينهما، فاجعلوا كل ذلك فرضاً لا تصح الجمعة إلا به، ولا صلى قط إلا رفع يديه في التكبيرة الأولى، فأبطلوا الصلاة بترك ذلك. انتهى كلام ابن حزم (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما سبق أن القول الراجح هو عدم اشتراط الخطبة لصحة الجمعة، لعدم دليل يَدُلُّ على ذلك، فالذين قالوا بالاشتراط ما جاءوا بدليل إلا مجرد فعله -صلى الله عليه وسلم-، وهو بمجرده لا يكفي، وأيضاً قد تناقضوا في ذلك، فإن فعله مشتمل على أمور من القيام والجلوس بين الخطبتين، وغير ذلك، وهم لا يقولون باشتراطها.
والحاصل أن الحقّ صحة الجمعة بلا خطبة، ولكن السنة أن لا تُصَلَّى إلا بها؛ اقتداء بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- والله تعالى اعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".