معه (فَمَا رَأَيْتُهُ يَخْطُبُ، إِلَّا قَائِماً) فيه أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب دائماً بالقيام، واستدلّ به الشافعي، ومالك، ومن وافقهما على وجوب القيام في الخطبة، لكن الراجح عدم الوجوب؛ لعدم ما يدل عليه، وقد تقدم البحث فيه في ١٨/ ١٣٩٧ مستوفًى (وَيَجْلسُ) أي على المنبر بعد الخطبة الأولى (ثُمَّ يَقُومُ، فَيَخْطُب) وفي نسخة: "ويخطب" بالواو (الْخطْبَةَ الآخِرَةَ) أي الثانية، وهذا محلّ الترجمة، ففيه بيان عدد خطبة الجمعة.
وفي الرواية الآتية في الباب التالي من طريق إسرائيل، عن سماك بن حرب: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة قائماً، ثم يقعد قعدةً، لا يتكلّم، ثم يقوم، فيخطب خطبة أخرى، فمن حدّثكم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قاعداً فقد كذب".
وفي رواية سفيان الثوريّ، عن سماك: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم، ويقرأ آيات، ويذكر الله عز وجلّ، وكانت خطبته قصداً، وصلاته قصداً".
والقصد الوسط، أي خطبته -صلى الله عليه وسلم- متوسطة بن القصر والطول، وكذلك صلاته، ولا يلزم مساواتهما، إذ توسط كلّ يُعتبر في بابه، كما تقدّم.
وفي رواية مسلم: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم، فيخطب قائماً، فمن نبّأك أنه كان يخطب جالساً، فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة".
قال النووي رحمه الله تعالى: المراد الصلوات الخمس، لا الجمعة انتهى. ولابدّ من هذا التأويل, لأن الْجُمَع التي صلاها النبي -صلى الله عليه وسلم- من عند افتراضها إلى موته لا تبلغ ذلك المقدار، ولا نصفه (١).
وفي رواية أبي داود من طريق شيبان بن عبد الرحمن النَّحْوي، عن سماك: "كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هي كلمات يسيرات". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما هذا أخرجه مسلم.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٣٢/ ١٤١٥ - وفي "الكبرى" -٣٣/ ١٧٣٠ - عن علي بن حجر، عن شريك بن عبد الله، عن سماك بن حرب، عنه. وفي ٣٤/ ١٤١٧ - عن محمد بن
(١) "نيل الأوطار" ٣/ ٣١٨ - ٣١٩.