للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الإِمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم فيما يجزىء من الخطبة للجمعة، فقالت طائفة: يجزىء ما يقع عليه اسم خطبة، روينا ذلك عن الشعبي، أنه كان يخطب يوم الجمعة ما قلّ، أو كثر، وكان عطاء بن أبي رباح يقول: ما جلس النبي -صلى الله عليه وسلم- على منبر قطّ (١).

وممن رأى أن خطبةً واحدةَ تجزىء مالكٌ، والأوزاعيّ، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد، وقال أبو ثور: يجزىء ما يكون كلاماً مجتمعاً، يقع عليه اسم خطبة.

وفي هذا المسألة قولان آخران:

أحدهما قول الشافعيّ، وهو أن الإِمام إن خطب خطبة واحدة، وصلى الجمعة عاد، فخطب ثانيةً، فإن لم يفعل حتى يذهب الوقت أعاد الظهر أربعاً. وقال: فإن جعلها خطبتين، ولم يفصل بينهما بجلوس أعاد خطبته، فإن لم يفعل صلى أربعًا، وأقلّ ما يقع عليه اسم خطبة من الخطبتين أن يحمد الله، ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويوصي بتقوى الله، ويقرأ شيئاً القرآن في الأولى، ويحمد الله، ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويوصي بتقوى الله، ويدعو في الآخرة.

والقول الآخر قول النعمان، وهو أن الإِمام إن خطب يوم الجمعة بتسبيحة واحدة أجزأه.

قال ابن المنذر: فأما ما قال النعمان، فلا معنى له، ولا أعلم أحداً سبقه إليه، وغير معروف عند أهل المعرفة باللغة بأن يُقال لمن قال: سبحان الله، قد خطب، وإذا كان المقول هذا سبيله، فلا معنى للاشتغال به.

وأما الذي قاله الشافعي، فلست أجد دلالةً توجب ما قال.

وقد عارض الشافعيَّ غيرُه (٢) من أصحابنا، فقال: يقال لمن قال بقوله: من أين أوجبت الجلسة بين الخطبتين فرضاً؟ أبطلت الجمعة بتركها، وقد أتى بالجمعة، والخطبتين، وليست الجلسة من الجمعة, لأن الجمعة فرضها ركعتان، كذلك في حديث عمر -رضي الله عنه-، والخطبة معروفة، والجلسة غير هذا, ولو كانت الجلسة واجبة لم يجز أن تبطل الجمعة بتركها, لأنها غير هذا، فإن اعتلّ بجلوس النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الخطبتين، فالفعل عنده، وعند غيره لا يوجب فرضاً, ولو ثبت أنه فرض لم يدلّ على إبطال


(١) هذا القول ترده الأحاديث الصحيحة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يجلس بين الخطبتين. فتنبّه.
(٢) قوله: "غيرُه" أراد به المحققين من أهل العلماء الذين جمعوا بين النقل والدراية، وفيه إبطال لزعم من زعم أن ابن المنذر شافعي المذهب مقلدٌ للشافعي، وقد سبق في مقدمة هذا الشرح تفنيد هذا الزعم، عند ذكر مذهب الإِمام النسائي رحمه الله، فراجعه تستفد. وبالله تعالى التوفيق.