المسألة الثالثة: في اختلاف العلماء فيما تدرك به صلاة الجمعة:
قال الإِمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم فيمن أدرك من الجمعة ركعة مع الإِمام:
فقالت طائفة: من لم يدرك الخطبة صلى أربعاً، رُوي هذا القولُ عن عطاء، وطاوس، ومجاهد، ومكحول.
وقالت طائفة: إذا أدرك من الجمعة ركعة صلى إليها أخرى، وإن أدركهم جلوساً صلى أربعاً، كذلك قال عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وسعيد ابن المسيب، والحسن، والشعبي، وعلقمة، والأسود، وعروة بن الزبير، والنخعيّ، والزهري.
وبه قال مالك فيمن تبعه من أهل المدينة، قال: وعلى هذا أدركت أهل العلم ببلدنا، وكذلك قال سفيان الثوريّ، والشافعيّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو ثور، وقال الأوزاعيّ: إذا أدرك التشهد صلى أربعاً.
وقالت طائفة. من أدرك التشهد يوم الجمعة مع الإِمام صلى ركعتين، رُوي هذا القول عن النخعيّ، وبه قال الحكم، وحماد، وري ذلك عن الضحّاك، وبه قال النعمان.
قال ابن المنذر رحمه الله: ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة".
ثم أخرج بسنده عن الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أدرك من الصلاة ركعة، فقد أدرك الصلاة".
قال الزهريّ: والجمعة من الصلاة.
قال ابن المنذر: وقد روينا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه أنه قال: "من أدرك من الجمعة ركعة، فيصلّ إليها أخرى".
وقد تُكُلِّمَ في أسانيدها، ولو كان عند الزهريّ فيه خبر ثابت لم يَحتجْ إلى أن يستدل لَمَّا ذَكر قوله النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة"، بأن الجمعة من الصلاة, إذ لو كان عنده في المسألة خبر ثابت لاستغنى به، غير أن يستدلّ عليه بغيره. ومن أحسنها إسناداً حديث ابن أيوب:
حدثنا علان، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن أسامة بن زيد الليثي، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أدرك من الجمعة ركعة، فليصل إليها أخرى".