الظهر، وقال: العمدة فيه القياس على الظهر، ويُستأنس بحديث سنن ابن ماجه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي قبلها أربعًا، وإسناده ضعيف جداً، بل قال النووي في "الخلاصة": هو حديث باطل. في سنده مبشر بن عُبيد متروك، بل رماه أحمد بالوضع.
واستدلّوا أيضاً بما رواه ابن ماجه في "سننه" بإسناد صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: جاء سُليك الغَطَفانيّ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أصليت قبل أن تجيء؟ " قال: لا، قال: "فصل ركعتين، وتجوز فيهما". قال المجد ابن تيمية في "الأحكام": رجال إسناده ثقات، ورواه ابن ماجه أيضاً من حديث جابر -رضي الله عنه-، قال العراقي رحمه الله: وإسناده صحيح.
قالوا: فقوله: "قبل أن تجيء" يدلّ على أن الصلاة المأمور بها ليست تحية المسجد، لأن فعلها في البيت لا يقوم مقام فعلها في المسجد، فتعيّن أنها سنة الجمعة.
وفيه نظر فلم يتعين ذلك (١) فلا يجوز إثبات سنة الجمعة لمجرد هذا، إذ يحتمل أن معناه قبل أن تقترب مني لسماع الخطبة، وليس المراد قبل أن يجيء إلى المسجد؛ لأن صلاته قبل مجيء المسجد غير مشروعة، فكيف يسأله عنها، إذ المأمور به بعد دخول وقت الجمعة السعي إلى مكان الجمعة، وقبله لا يصحّ فعلها بتقدير ثبوتها.
واستدلوا أيضاً بما رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه" عن نافع، قال: "كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلي بعدها ركعتين في بيته، ويحدث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك".
قال العراقي رحمه الله تعالى: وفي الاستدلال به نظر من وجهين:
(أحدهما): أنه لا يلزم من إطالته الصلاة قبل الجمعة أن يكون ذلك سنة للجمعة، بل قد يكون قبل الزوال انتظاره.
(والوجه الثاني): أن الظاهر أن المراد بالمرفوع منه صلاة ركعتين بعدها في بيته على وفق حديثه المتفق عليه في "الصحيحين"، فأما إطالة الصلاة قبلها، فلم يُنقل عنه فعله، لأنه كان يخرج إلى صلاة الجمعة، فيؤذن بين يديه، ثم يخطب انتهى.
واستدلوا أيضاً بما ثبت في "الصحيحين" عن عبد الله بن مغفّل -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بين كلّ أذانين صلاة".
قال العراقي رحمه الله تعالى: ولقائل أن يعترض على الاستدلال به بأن ذلك كان متعذراً في حياته -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان بين الأذان والإقامة الخطبة، فلا صلاة حينئذ بينهما، نعم
(١) هكذا نسخة "الطرح"، ولعل الصّواب "إِذْ لم يتعين ذلك"، والله أعلم.