أما قوله:"فمجموعها قويّ يضعف معه إنكارها"، فقد كفانا الجواب عنه هو بنفسه، حيث قال: وأقوى ما يعارض ذلك الخ، فأيّ قوة من هذه الأمور المعترَضَة بما سبق مع هذا الصريح الصحيح الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه -رضي الله عنهم-، أنهم ما كانوا يصلون سنة الجمعة القبلية المزعومة؟.
وكيف لا يُنكر على من ادعى شرعية ما لم يشرعه الله تعالى على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ولا ثبت من فعله، ولا فُعل بمحضره -صلى الله عليه وسلم-؟ أليس هذا هو الابتداع الذي ينبغي إنكاره؟ إن هذا لشيء عجيب!!.
وأما قوله:"وبالجملة فالمسألة مشكلة"، فجوابه أنه لا إشكال -بحمد الله تعالى- في هذه المسألة عند من لم يتقيد برأي فلان، أو فلان، ويتجمّد عليه، إذ حكمها واضح وضوحَ الشمس في رابعة النهار، إذ من ادعى سنية قبلية الجمعة ما أتى بدليل يُستند إليه، إلا القياس على الظهر، فهذا أقوى دليل عندهم، كما تقدم في كلام النووي رحمه الله، وأما مستندهم من الأحاديث، فقد عرفت ضعفه فيما سبق، وقد صحّ لدينا أنه -صلى الله عليه وسلم- ما صلى قبلية الجمعة، ولا أمر بها, ولا فعلها أصحابه بحضرته، بل كان يؤذن بين يديه -صلى الله عليه وسلم-، فيقوم، فيخطب، ثم ينزل، فيصلي، فإذا ثبت هذا بطل القياس؛ إذ هو في مقابلة النص فاسد الاعتبار، ولقد أحسن من قال، وأجاد في المقال:
وبالجملة فمسألتنا واضحة لا إشكال فيها, ولله الحمد والمنة.
والحاصل أن قبلية الجمعة مما لا أثارة عليه من علم، بل هي من الأمور المحدثة التي ينبغي إنكارها.
ومن أغرب ما نراه ممن لا يبالي بالسنة أن كثيراً منهم يواظب على صلاة ركعتين، أو أربع بزعم أنها سنة قبلية للجمعة، ولا يترك ذلك، ولو رأى الإِمام جالساً على المنبر، أو شارعاً في الخطبة، ثم يتساهل فيما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من قوله:"إذا صلى أحدكم الجمعة، فليصل بعدها أربعاً"، فلا يلتفت لهذا الأمر، بل إن صلى يصلي ركعتين فقط، أو يترك الصلاة بالكلية يذهب لحاجته، وهذا هو نتيجة التساهل في التمسك بالسنة، ومن تقديم البدعة عليها. نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الحرمان والخذلان. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: ينبغي أن يُتنبه إلى شيء مُهمّ جداً، وهو أن إنكار الصلاة قبل الجمعة إنما هو لمن يعتقد أنها سنة قبلية ثابتة كسنة الظهر، وأما مطلق الصلاة لمن حضر قبل حضور الإِمام، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة.