للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صلاةً على الحقيقة.

وقد أجيب عن هذا الإشكال يحمل الصلاة على الدعاء، أو الانتظار، وبحمل القيام على الملازمة والمواظبة، ويؤيد ذلك أن حال القيام في الصلاة غير حال السجود والركوع والتشهد، مع أن السجود مظنة إجابة الدعاء، فلو كان المراد بالقيام حقيقته لأخرجه، فدلّ على أن المراد مجاز القيام، وهو المواظبة، ونحوها، ومنه قوله تعالى: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} الآية [آل عمران: ٧٥]، فعلى هذا يكون التعبير عن المصلي بالقائم من باب التعبير عن الكلّ بالجزء، والنكتة فيه أنه أشهر أحوال الصلاة انتهى (١).

(شَيْئاً) أي مما يليق أن يدعو به المسلم، ويسأل ربه تعالى، وفي رواية سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عند البخاري في "الطلاق": "يسأل الله خيراً"، ولمسلم من رواية محمد بن زياد، عن أبي هريرة مثله، وفي حديث أبي لبابة عند ابن ماجه: "ما لم يسأل حراماً"، وفي حديث سعد بن عُبادة، عند أحمد: "ما لم يسأل إثماً، أو قطيعة رحم"، وهو نحو الأول، وقطيعة الرحم من جملة الإثم، فهو من عطف الخاصّ على العامّ، للاهتمام به. قاله في "الفتح".

(إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) أي أعطاه الله تعالى الشيءَ الذي سأله.

(فَقَالَ كَعْبٌ) أي كعب الأحبار (ذَلِكَ يَوْمٌ في كُلِّ سَنَةٍ) أي ذلك اليوم الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أن فيه ساعةً يُستجاب فيها الدعاء يوم واحد فقط في كل سنة، لا كل جمعة (فَقْلْتُ: بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ) أي الساعة المذكورة تكون في كل يوم جمعة (فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ) أي لينظر، ويتأكد ما قاله آخذاً منها، من أنها في جمعة واحدة من السنة (ثُمَّ) بعد أن نظر في التوراة، ووجد ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- حقًّا (قَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) أي في قوله: إنها في كل جمعة، كما سمعه منه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، فردّ به على كعب، فقوله (هُوَ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ) تأكيد لمعنى "صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، يعني أن وقت الإجابة في كل يوم جمعة، فتذكير الضمير باعتبار الوقت، ويحتمل أن يكون الضمير لليوم، و"الجمعة" بمعنى الأسبوع، أي إن ذلك اليوم في كل أسبوع. والله تعالى أعلم.

قال أبو هريرة -رضي الله عنه- (فَخَرَجْتُ) أي من الطور (فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ) -بفتح أوله، وسكون المهملة- جميل بن بَصرة بن وقاص بن غفار الغفاريّ، له ولأبيه صحبة (٢).


(١) "فتح" ٣/ ٨٢.
(٢) اختُلِف في أبي بصرة، فقيل: جَمِيل بالجيم مكبراً. وقيل: حُمَيل بالحاء المهملة مصغراً، وهو المشهور. وقيل: لا يعرف اسمه. وحَضَر بصرةُ مصر، واختطَ بها داراً عند دار الزبير. أفاده في "تت" ١/ ٢٣٨ - ٢٣٩.