(مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ، إِلاَّ وَهِيَ تُصْبِحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، مُصِيخَةً) بالصاد المهملة، من أصاخ، أي مستمعة مُصْغية، ومترقّبة قيام الساعة بإلهام من الله تعالى.
وفي رواية أبي داود: "مُسيخة" بالسين المهملة، وهو بمعنى الأول، فـ"الإساخة" بالسيم المهملة، كـ"الإصاخة" بالصاد المهملة (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) بضم اللام، من باب قعد (شَفَقاً مِنَ السَّاعَةِ) انتصاب "شفقا" على أنه مفعول لأجله، أي خوفاً من قيام الساعة فيما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، وسميت القيامة ساعة لسرعة قيامها.
(إِلَّا ابْنَ آدَمَ) وفي رواية أبي داود: "إلا الجن والإنس"، أي فإنهم لا يترقبون، ولا يخافون قيام الساعة في هذا اليوم، لكثرة غفلتهم، لا لأنهم لا يعلمون ذلك.
(وَفِيهِ) أي في يوم الجمعة، وفي نسخة لأبي داود: "وفيها" أي في الجمعة، أو في ساعاتها (سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا) وفي نسخة "لا يوافقها"، وهو أعمّ من أن يقصد لها، أو يتفق له وقوع الدعاء فيها (مُؤْمِنٌ) ولفظ البخاريّ: "عبد مسلم" (وَهُوَ فِي الصَّلّاة، يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا) جملتان في محل رفع على الوصفية لـ"مؤمن"، أو الأولى صفة، والثانية حال منها.
ولفظ البخاريّ: "وهو قائم، يصلي، يسأل الله"، قال في "الفتح": هي صفات لـ"مسلم" أعربت حالاً، ويحتمل أن يكون "يصلي" حالاً منه، لاتصافه بـ"قائم"، و"يسأل" حال منه مترادفة، أو متداخلة.
وأفاد ابن عبد البرّ أن قوله: "وهو قائم" سقط من رواية أبي مصعب، وابن أبي أويس، ومطرّف، والتنيسيّ، وقُتيبة، وأثبتها الباقون.
قال: وهي زيادة محفوظة عن أبي الزناد، من رواية مالك، وورقاء، وغيرهما عنه.
وحكى أبو محمد بن السيد عن محمد بن وضاح أنه كان يأمر بحذفها من الحديث، وكأن السبب في ذلك أنه يُشكل على أصح الأحاديث الواردة في تعيين هذه الساعة، وهما حديثان:
أحدهما: أنها من جلوس الخطيب على المنبر إلى انصرافه من الصلاة.
والثاني: أنها من بعد العصر إلى غروب الشمس. وقد احتجّ أبو هريرة على عبد الله ابن سلام -رضي الله عنهما- لَمَّا ذكر له القول الثاني بأنها ليست ساعةَ صلاة، وقد ورد النصّ بالصلاة، فأجابه بالنصّ الآخر أن منتظر الصلاة في حكم المصلي، فلو كان قوله: "وهو قائم" عند أبي هريرة ثابتاً لاحتجّ عليه بها, لكنه سلم له الجواب، وارتضاه، وأفتى به بعده.
وأما إشكاله على الحديث الأول، فمن جهة أنه يتناول حال الخطبة كله، وليست