ذلِكَ؟) أي عن كونه قصر في هذه المسافة، وفي رواية مسلم: "عن جُبير بن نفير، قال: خرجت مع شُرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر، أو ثمانية عشر ميلاً، - وفي رواية: إنه أتى أرضا يقال لها دُومِين من حمص على رأس ثمانية عشر ميلا- فصلى ركعتين، فقلت له؟، فقال: رأيت عمر صلى بذي الحُليفة ركعتين، فقلت له؟ … " (فَقَالَ: إِنَّمَا أَفْعَلُ) وفي نسخة: "أنا أفعل" (كَمَا رَأَيْتُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - يَفْعَلُ) أي فإنه كان يقصر في مثل ذلك، أو أراد فعله - صلى اللَّه عليه وسلم - في حجة الوداع حيث صلى هناك العصر ركعتين، واللَّه أعلم.
قال النووي -رحمه اللَّه تعالى-: وهذا الحديث مما قد يتوهم أنه دليل لأهل الظاهر،
ولا دلالة فيه بحال, لأن الذي فيه عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وعمر - رضي اللَّه عنه - إنما هو القصر بذي الحليفة، وليس فيه أنها غاية السفر، وأما قصر شُرحبيل على رأس سبعة عشر، أو ثمانية عشر ميلاً، فلا حجة فيه, لأنه تابعي، فعل شيئًا يخالف الجمهور، أو يُتأول على أنها كانت في أثناء سفره، لا أنها غايته، وهذا التأويل ظاهر، وبه يصح احتجاجه بفعل عمر، ونقله ذلك عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، واللَّه أعلم انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قوله: أو يتأول على أنها الخ" فيه نظر، إذ يُبعد هذا التأويل قوله: أتى أرضا يقال لها دُومين، فإنه ظاهر في أن تلك الأرض كانت غاية سفره، فليُتأمل. وسيأتي تحقيق الخلاف في تحديد مسافة القصر في المسألة الثالثة، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، واللَّه تعالى أعلم، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث عمر - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا أخرجه مسلم.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا- ١/ ١٤٣٧ - وفي "الكبرى"- ١/ ١٨٩٥ - بالسند المذكور.
وأخرجه (م) ٢/ ١٤٥ (أحمد) ١/ ٢٩ و١/ ٣٠. واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: في اختلاف العلماء في المسافة التي تُقصر فيها الصلاة:
قال الإِمام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: أجمع أهل العلم على أن لمن سافر سفرًا تكون مسافته مثل ما بين المدينة إلى مكة أن يقصر الصلاة.
واختلفوا فيمن سافر أقلّ من هذه المسافة، فقالت طائفة: من سافر أربعة بُرُد، فله أن يقصر الصلاة، كذلك قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، واحتجوا بالأخبار