للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحاصل أن الفراسخ الثلاثة هي أقل المسافة التي يثبت بها حكم السفر من القصر وغيره، هذا ما عندي، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[فائدة]: ذكر الفرّاء أن الفرسخ فارسي معرّب (١)، وهو ثلاثة أميال، والميل من الأرض منتهى مَدّ البصر، لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه, وبذلك جزم الجوهريّ، وقيل: حده أن ينظر إلى شخص في أرض مسطحة، فلا يدري أهو رجل، أو امرأة، أو ذاهب، أو آت.

وقال النووي: الميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعًا معترضة معتدلة، والإصبع ست شَعيرات معترضة معتدلة انتهى.

وهذا الذي قاله: هو الأشهر، ومنهم من عبّر عن ذلك باثني عشر ألف قدم بقدم الإنسان، وقيل: هو أربعة آلاف ذراع، وقيل: بل ثلاثة آلاف ذراع، نقله صاحب "البيان"، وقيل: خمسمائة، صححه ابن عبد البرّ، وقيل: ألفا ذراع، ومنهم من عبّر عن ذلك بألف خطوة للجمل.

قال الحافظ: ثم إن الذراع الذي ذكر النووي تحديده قد حرره غيره بذراع الحديد المستعمل الآن في مصر والحجاز في هذه الأعصار، فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن، فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعًا. وهذه فائدة نفيسة قلّ من نبّه عليها انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

١٤٣٨ - (أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ, عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ, عَنْ أَنَسٍ, قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ, فَلَمْ يَزَلْ يَقْصُرُ حَتَّى رَجَعَ, فَأَقَامَ بِهَا عَشْرًا).

رجال هذا الإسناد: أربعة:

١ - (قتيبة) بن سعيد المذكور قبل حديث.

٢ - (أبو عوانة) وَضّاح بن عبد اللَّه اليشكري الواسطي، ثقة ثبت [٧] تقدم ٤١/ ٤٦.

٣ - (يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي مولاهم البصري النحوي، صدوق ربما أخطأ [٥].

روى عن أنس،، وسالم بن عبد اللَّه، وسلمان الأغرّ، وغيرهم. وعنه محمد بن


(١) اختُلفَ في معنى "الفَرسخ"، فقيل: السكون، ذكره ابن سيده، وقيل: السعة، وقيل: المكان الذي لا فرجة فيه، وقيل: الشيء الطويل. انتهى "فتح" ٣/ ١٧٦ - ١٧٧.
(٢) "فتح" ٣/ ٢٧٦.