قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن هذا الاستنباط بعيد، بل الظاهر من عمل البخاري، والمصنف في هذا أنهما أوردا أحاديث الإطلاق، ثم أتبعاها بأحاديث التقييد بيانا لكون المراد بالصلاة في أحاديث الإطلاق هو الصلاةَ الموصوفةَ في أحاديث التقييد، فكأنهما أجملا، ثم فصلا.
ثم إن ما قاله بعض الشافعية هو الظاهر, لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمر بالصلاة، ثم بين كيفية تلك الصلاة بفعله، فكيف يوجد الامتثال بصلاة مخالفة لفعله المبين لأمره. فليُتَأَمَّل. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا- ٣/ ١٤٦١ - وفي "الكبرى"-٣/ ١٨٤٤ - بالسند المذكور.
وأخرجه (خ) ٢/ ٤٢ و٤/ ١٣١ (م) ٣/ ٣٦ (أحمد) ٢/ ١٠٩ أو ٢/ ١١٨. واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: في اختلاف أهل العلم في صلاة الكسوف:
قال النووي -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح مسلم": (واعلم): أن صلاة الكسوف رويت على أوجه كثيرة، ذكر مسلم منها جملة، وأبو داود أخرى، وغيرهما أخرى، وأجمع العلماء على أنها سنة، ومذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وجمهور العلماء أنه يُسنّ فعلها جماعة، وقال العراقيون فرادى، وحجة إلى جمهور الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره.
واختلفوا في صفتها، فالمشهور في مذهب الشافعي أنها ركعتان في كل ركعة قيامان، وقراءتان، وركوعان، وأما السجود فسجدتان كغيرهما، وسواء تمادى الكسوف، أم لا، وبهذا قال مالك، والليث، وأحمد، أبو ثور، وجمهور علماء الحجاز، وغيرهم.
وقال الكوفيون: هما ركعتان كسائر النوافل، عملًا بظاهر حديث جابر بن سمرة، وأبي بكرة: أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - صلى ركعتين.
وحجة الجمهور حديث عائشة، من رواية عروة، وعمرة، وحديث جابر، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص - رضي اللَّه عنهم - أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان، وسجدتان.
قال ابن عبد البرّ: وهذا أصح ما في هذا الباب، قال: وباقي الروايات المخالفة معللة ضعيفة.