للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن دقيق العيد: أهل التنزيه في مثل هذا على قولين: إما ساكت، وإما مؤوّل على أن المراد بالغيرة شدّة المنع والحماية، فهو من مجاز الملازمة. انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هكذا ادعوا المجاز هنا، والصواب أن لا مجاز هنا، ولا محال، فإن اللَّه سبحانه وتعالى له الغيرة على المعنى اللائق بجلاله وعظمته، وإنما يلزم المحال إذا قلنا: له غيرة كغيرة خلقه، وأما إذا قلنا: غيرة تليق بجلاله، وعظمته، لا تشبه غيرة خلقه، ولا نعلم كنهها، وكيفيتها، فهذا حقّ، وهو مذهب السلف الصالح، كسائر صفاته، من النزول، والاستواء، والرضا، والغضب، والمحبة، والتعجّب، ونحوها، مما ورد في النصوص الصحيحة، فكلها ثابتة له على ظاهرها، وإنما المجهول لنا كيفيتها، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

وقال الطيبي وغيره: وجه إتصال هذا المعنى بما قبله من قوله: "فاذكروا اللَّه الخ" من جهة أنهم لما أُمروا باستدفاع البلاء بالذكر، والدعاء، والصلاة، والصدقة، ناسبَ رَدْعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء، وخصّ منها الزنا لأنه أعظم في ذلك، وقيل: لما كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي، وأشدّها تأثيرًا في إثارة النفوس، وغلبة الغضب ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذة: رب المغيرة، وخالقها سبحانه وتعالى انتهى.

(مِنَ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، أَنْ يَزْنَيِ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنَيِ أَمَتُهُ) أي لأجل زنا عبده، أو زنا أمته. قال الحافظ: ولعلّ تخصيص العبد والأمة بالذكر رعاية لحسن الأدب مع اللَّه تعالى، لتنزّهه عن الزوجة، والأهل ممن يتعلّق بهم المغيرة غالبًا. انتهى (يَا أُمَّةَ محُمَّدٍ، وَاللَّهِ) صدّر - صلى اللَّه عليه وسلم - كلامه باليمين لإرادة التأكيد للخبر، وإن كان لا يُرتاب في صدقه (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ) أي من عظيم قدرة اللَّه، وانتقامه من أهل الإجرام، وقيل: معناهـ لو دام علمكم كما دام علمي, لأنه متواصل بخلاف غيره، وقيل: معناه لو علمتم من سعة رحمة اللَّه، وحلمه، وغير ذلك ما أعلم لبكيتم على ما فاتكم من ذلك (لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) قال الباجيّ: يريد - صلى اللَّه عليه وسلم - أن اللَّه تعالى قد خصه بعلم لا يعلمه غيره، ولعله ما رآه في مقامه من النار، وشناعة منظرها.

وقال النووي: لو تعلمون من عظم انتقام اللَّه تعالى من أهل الجرائم، وشدّة عقابه، وأهوال القيامة، وما بعدها ما أعلم، وترون النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غيره، لبكيتم كثيرًا، ولقلّ ضحككم لفكركم فيما علمتموه.

ولا يخفى أنهم علموا بواسطة خبره إجمالًا، فالمراد التفصيل، كعلمه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فالمعنى: