بعض"، وفي رواية إسحاق "حتى ثار السحاب أمثال الجبال"، أي لكثرته، وفيه: "ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر على لحيته"، وهذا يدلّ على أن السقف وكَفَ لكونه كان من جريد النخل.
وقوله: "فلما توسطت السماء انتشرت" هذا يشعر بأنها استمرّت مستديرة حتى انتهت إلى الأفق، فانبسطت حينئذ، وكأن فائدته تعميم الأرض بالمطر.
وقوله: "ما رأينا الشمس سبتًا" كناية عن استمرار الغيم الماطر، وهذا في الغالب، وإلا فقد يستمرّ المطر، والشمس بادية، وقد تحُجب الشمس بغير مطر.
وأصرح من ذلك رواية إسحاق بلفظ: "فمُطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، ومن بعد الغد، والذي يليه حتى الجمعة الأخرى".
وأما قوله: "سبتا" فوقع للأكثر بلفظ "السبت" -يعني أحد الأيام- والمراد به الأسبوع، وهو من تسمية الشيء باسم بعضه، كما يقال: "جمعة"، قاله صاحب "النهاية"، قال: ويقال: أراد قطعة من الزمان. وقال الزين ابن المنيّر: قوله: "سبتًا" أي من السبت إلى السبت، أي جمعةً.
وقال المحبّ الطبريّ مثله، وزاد أن فيه تجوّزًا, لأن السبت لم يكن مبدأ، ولا الثاني منتهى، وإنما عبّر أنس بذلك لأنه كان من الأنصار، وكانوا قد جاوروا اليهود، فأخذوا بكثير من اصطلاحهم، وإنما سمّوا الأسبوع سبتًا لأنه أعظم الأيام عند اليهود، كما أن الجمعة عند المسلمين كذلك.
وحكى النوويّ تبعًا لغيره كثابت في "الدلائل" أن المراد بقوله: "سبتا" قطعة من الزمان، ولفظ ثابت: الناس يقولون: معناه من سبت إلى سبت، وإنما السبت قطعة من الزمان، وأن الداوديّ رواه بلفظ: "ستّا" وهو تصحيف.
قال الحافظ: وتعُقّب بأن الداوديّ لم ينفرد بذلك، فقد وقع في رواية الحمويّ، والمستملي هنا "ستًا"- وكذا رواه سعيد بن منصور، عن الدراورديّ، عن شريك، ووافقه أحمد من رواية ثابت، عن أنس، وكأن من ادعى أنه تصحيف استبعد اجتماع قوله: "سبتا"، مع قوله في رواية إسماعيل بن جعفر: "سبعًا"، وليس بمستبعد, لأن من قال: "ستّا" أراد ستة أيام تامة، ومن قال: "سبعًا" أضاف أيضًا يوما ملفّقًا من الجمعتين.
وقد وقع في رواية مالك، عن شريك: "فمطرنا من جمعة إلى جمعة"، وفي رواية للنسفي "فدامت جمعة"، وفي رواية عبدوس والقابسيّ فيما حكاه عياض "سبتنا"، كما يقال: "جمعتنا". وفي رواية قتادة "فمطرنا، فما كدنا نصل إلى منازلنا"، أي من كثرة