للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ زَيدِ بْنِ خَالِدِ الْجُهَنِيّ) - رضي اللَّه تعالى عنه -، قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: هكذا يقول صالح بن كيسان، لم يُختلف عليه في ذلك، وخالفه الزهريّ، فرواه عن شيخهما عبيد اللَّه، عن أبي هريرة، كما تقدم في الرواية التي قبل هذا، وقد صحح الحديث مسلم بالطريقين، فأخرجهما في "صحيحه" بهما, لأن عبيد اللَّه سمع من زيد بن خالد، وأبي هريرة - رضي اللَّه عنه - جميعًا عدّة أحاديث، منها حديث العَسِيف، وحديث الأمة إذا زنت، فلعله سمع هذا منهما، فحدّث به تارة عن هذا، وتارة عن هذا، وإنما لم يجمعهما لاختلاف لفظهما، كما سنشير إليه.

وقد صرّح صالح بسماعه له من عُبيد اللَّه عند أبي عوانة، وروى صالح، عن عبيد اللَّه بواسطة الزهريّ عدة أحاديث، منها حديث ابن عباس في شاة ميمونة، وحديثه عنه في قصة هرقل انتهى (١) (قَالَ: مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -) وفي رواية البخاريّ: "صلى لنا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء، كانت من الليل، فلما انصرف النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - أقبل على الناس … " (فَقَالَ: "أَلَمْ تَسْمَعُوا مَاذَا قَالَ: رَبُّكُمُ اللَّيلَةَ؟) وفي رواية البخاريّ: "هل تدرون، ماذا قال ربكم؟، قالوا: اللَّه ورسوله أعلم " (قَالَ: مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي من نِعْمَةٍ، إِلاَّ أَصْبَحَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَهِا كَافِرِينَ) قال القرطبي في "المفهم": ظاهره أنه الكفر الحقيقيّ, لأنه قابل به المؤمن الحقيقيّ، فيُحمل على من اعتقد أن المطر من فعل الكواكب وخدقها, لا من فعل اللَّه تعالى، كما يعتقده بعض جهال المنجّمين، والطبائعيين، والعرب.

فأما من اعتقد أن اللَّه تعالى هو الذي خلق المطر، واخترعه، ثم تكلم بذلك القول، فليس بكافر، ولكنه مخطئ من وجهين:

(أحدهما): أنه خالف الشرع، فإنه حذّر من ذلك الإطلاق.

(وثانيهما): أنه قد تشبّه بأهل الكفر في قولهم، وذلك لا يجوز, لأنا أمرنا

بمخالفتهم، فقال: "خالفوا المشركين" (٢)، و"خالفوا اليهود" (٣)، ونهينا عن التشبّه

بهم، وذلك يقتضي الأمر بمخالفتهم في الأفعال والأقوال، ولأن اللَّه تعالى قد منعنا من التشبه بهم في النطق بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} لآية [البقرة: ١٠٤] لَمّا كان اليهود يقولون تلك الكلمة للنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - يقصدون ترعينه، منعنا اللَّه


(١) "فتح" ج ٣ ص ٢١٨.
(٢) متفق عليه.
(٣) أخرجه أبو داود.