قال: في حديث أبي بكرة، وجابر:"أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - صلى بطائفة ركعتين في الخوف، ثم سلم، وبطائفة أخرى ركعتين، ثم سلم". قال: وهذا آخر فعل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لأن أبا بكرة شهد معه، ولم يُسلِم إلا يوم الطائف، ولم يغز - عليه السلام - بعد الطائف غير تبوك فقط، فهذه أفضل صفات صلاة الخائف، لما ذكرنا، وقال بهذا الشافعيّ، وأحمد ابن حنبل.
قال: وحديث ابن عباس: "فرض اللَّه الصلاة على لسان نبيكم - صلى اللَّه عليه وسلم - في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركع".
ثم أخرج حديث ثَعْلَبَة بن زَهْدَم المذكور في الباب من طريق المصنف، وحديثَ زيد ابن ثابت الآتي بعد حديث، ثم قال: الأسودُ بن هلال ثقة مشهور، وثعلبة بن زهدم أحد الصحابة حنظليّ، وفد على رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وسمع منه، وروى عنه. قال: وصحّ هذا أيضًا مسندًا من طريق يزيد بن زريع، وأبي داود الطيالسيّ، كلاهما عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه المسعوديّ، عن يزيد الفقير، عن جابر، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأخبر جابر أن القصر المذكور في الآية عند الخوف هو هذا، لا كون الصلاة ركعتين في السفر. وصح أيضًا من طريق الزهريّ، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وروي أيضًا عن ابن عمر.
فهذه آثار متظاهرة متواترة، وقال بهذا جمهور من السلف، كما روي عن حذيفة أيام عثمان - رضي اللَّه عنه -، ومن معه من الصحابة، لا ينكر ذلك أحد منهم، وعن جابر وغيره.
وروينا عن أبي هريرة: أنه صلى بمن معه صلاة الخوف، فصلاها بكلّ طائفة ركعة، إلا أنه لم يقض، ولا أمر بالقضاء. وعن ابن عباس: يومئ بركعة عند القتال. وعن الحسن أن أبا موسى الأشعريّ صلى في الخوف ركعة. وعن معمر، عن عبد اللَّه بن طاوس، عن أبيه، قال: إذا كانت المسايفة، فإنما هي ركعة، يومئ إيماء، حيث كان وجهه، راكبًا كان أو ماشيًا. وعن سفيان الثوريّ، عن يونس بن عُبيد، عن الحسن، قال: صلاة المطاردة ركعة. ومن طريق سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول في صلاة الخوف: إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلّوا على ظهور الدوابّ ركعتين، فإذا لم يقدروا، فركعة، وسجدتان، فإن لم يقدروا أخروا حيث يأمنون.
قال ابن حزم: أما تأخيرها عن وقتها فلا يحلّ البتة, لأنه لم يسمع اللَّه تعالى في تأخيرها, ولا رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال اللَّه تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}.
وقال سفيان الثوريّ: حدثني سالم بن عجلان الأفطس، سمعت سعيد بن جُبير يقول: كيف يكون قصر، وهم يصلون ركعتين؟ وإنما ركعة ركعة، يومئ بها حيث كان