للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسألة الرابعة: في أقوال أهل العلم في تقديم الصلاة على الخطبة:

قال الإمام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: قد ثبت عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة في يوم العيد، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون المهديون، وعليه عوامّ علماء الأمصار.

فممن كان يبدأ بالصلاة قبل الخطبة أبو بكر الصدّيق، وعمر بن الخطّاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والمغيرة بن شعبة، وابن مسعود، - رضي اللَّه عنه -، وهذا قول ابن عباس، وسفيان الثوريّ، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأبي ثور، وإسحاق، وأصحاب الرأي.

قال: وفيه قول سواه، روينا أن عثمان كان يخطب بعد الصلاة، فلما كثر الناس على عهده رآهم لا يدركون الصلاة خطب ثم صلى، وروينا عن ابن الزبير أنه فعل ذلك، وروي ذلك عن مروان بن الحكم. انتهى كلام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى- باختصار (١).

وقال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-: هذا هو المتّفق عليه بين علماء الأمصار، وأئمّة الفتوى، ولا خلاف بين أئمتهم فيه، وهو فعل النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، والخلفاء الراشدين من بعده، إلا ما روي أن عمر (٢) في شطر خلافته الآخر قدّم الخطبة, لأنه رأى من الناس مَن تفوته الصلاة، وليس بصحيح، ثمّ قال: وقد فعله ابن الزبير في آخر أيامه.

وقال ابن قُدَامة -رحمه اللَّه تعالى-: لا نعلم خلافًا بين المسلمين إلا عن بني أميّة، قال: وابن عباس وابن الزبير - رضي اللَّه عنهما - أنهما فعلاه، ولم يصحّ عنهما، قال: ولا يُعتدّ بخلاف بني أمية, لأنه مسبوق بالإجماع الذي كان قبلهم، ومخالف لسنّة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - "الصحيحة" وقد أُنكر عليهم فعلهم، وعُدّ بدعةً، ومخالفا للسنّة.

وقال العراقي -رحمه اللَّه تعالى-: إن تقديم الصلاة على الخطبة قول العلماء كافّةً، وقال: إنّ ما روي عن عمر، وعثمان، وابن الزبير لم يصحّ عنهم.

أما رواية ذلك عن عمر، فرواها ابن أبي شيبة أنه لما كان عمر، وكثر الناس في زمانه، فكان إذا ذهب ليخطب ذهب أكثر الناس، فلما رأى ذلك بدأ بالخطبة، وختم بالصلاة. قال: وهذا الأثر، وإن كان رجاله ثقات، فهو شاذّ، مخالف لما في "الصحيحين" عن عمر من رواية ابنه عبد اللَّه، وابن عباس، وروايتهما عنه أولى.

قال: وأما رواية ذلك عن عثمان، فلم أجد لها إسنادًا (٣).


(١) - "الأوسط" ج ٤ ص ٢٧٠ - ٢٧٣.
(٢) - تقدم في كلام ابن المنذر أنه عثمان، ولعله مرويّ عنهما.
(٣) - بل رواه ابن المنذر في "الأوسط" بإسناد صحيح إلى الحسن البصري، فانظره ج٤ ص ٢٧٢ - ٢٧٣، فالأولى الجمع بأنه فعل ذلك في بعض الأحيان. واللَّه تعالى أعلم.