للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال العلماء: لفظ الهدى له معنيان: [أحدهما]: بمعنى الدلالة والإرشاد، وهو الذي يضاف إلى الرسل، والقرآن، والعباد، قال اللَّه تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢]، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩] و {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢] ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصّلت: ١٧]، أي بيّنّا لهم الطريق، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان: ٣]، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: ١٠].

[والثاني]: بمعنى اللطف، والتوفيق، والعصمة، والتأييد، وهو الذي تفرّد اللَّه تعالى به، ومنه قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} الآية [القصص: ٥٦]. وقالت القدرية حيث جاء الهدى، فهو للبيان، بناءً على أصلهم الفاسد في إنكار القدر، وردّ عليهم أصحابنا وغيرهم ص أهل الحقّ، مثبتي القدر للَّه تعالى بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: ٢٥] , ففرّق بين الدعاء والهداِية انتهى كلام النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

(وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا) قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: "المحدثات" بفتح الدال جمع محدثة، والمراد بها ما أُحدث، وليس له أصل في الشرع، وُيسمّى في عرف الشرع "بدعةً"، وما كان له أصل يدلّ عليه الشرع، فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة، بخلاف اللغة، فإن كلّ شيء أُحدث على غير مثال يسمى بدعةً، سواء كان محمودًا، أو مذمومًا، وكذا القول في المحدثة، وفي الأمر المحدث الذي ورد في حديث عائشة - رضي اللَّه عنه -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردّ" انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (٢).

وقال القرطبي -رحمه اللَّه تعالى-: يعني المحدثات التي ليس لها في الشريعة أصل يشهد لها بالصحّة والجواز، وهي المسمّاة بالبِدَعِ، ولذلك حُكم عليها بأنّ كلّ بدعة ضلالة، وحقيقة البدعة: ما ابتدىء، وافْتُتح من غير أصل شرعيّ، وهي التي قال فيها - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردّ" (٣) ٠ انتهى كلام القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى (٤). وقال السندي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والمراد المحدثات في الدين، وعلى هذا فقوله: "وكلّ بدعة ضلالة" على عمومه انتهى (٥).


(١) - "شرح مسلم" ج ٦ ص ١٥٤.
(٢) - "فتح" ج ١٣ ص ٢٦٦ - ٢٦٧ طبعة دار الريان.
(٣) - متفق عليه.
(٤) - "المفهم" ج ٢ ص ٥٠٨.
(٥) - "شرح السندي" ج ٣ ص ١٨٩.