للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: ولكون الضلال تركَ الطريق المستقيم عمدًا كان، أو سهوا، قليلاً كان، أو كثيرًا صحّ أن يُستَعمل لفظ الضلال ممن يكون منه خطأٌ مّا, ولذلك نُسب الضلال إلى الأنبياء، وإلى الكفّار، وإن كان بين الضلالين بَوْنٌ بَعِيد، ألا ترى إلى قول اللَّه تعالى في النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}، أي غير مهتد لما سِيقَ لك من النبوة، وقال موسى - عليه السلام -: {قَالَ: فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: ٢٠] تنبيهًا على أن ذلك منه سهو. انتهى كلام الراغب باختصار.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -. المراد هنا العمدُ الذي يكون سببا للعدول عن منهج الهدى، بدليل الوعيد في قوله (وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ) وهو على حذف مضاف، أي كلّ أصحاب الضلالة في النار، وهذه الجملة زائدة في رواية المصنف من طريق عبد اللَّه بن المبارك، وليست في "صحيح مسلم"، وغيره، وهي زيادة صحيحة.

(ثُمَّ يَقُولُ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (بُعِثْتُ) بالبناء للمفعول (أَنَا) ضمير رفع منفصل ذُكر توكيدًا للمتصل، كما قال في "الخلاصة":

وَإنْ عَلَى ضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَّصِلْ … عَطَفْتَ فَافْصِلْ بِالضَّمِيرِ المُنْفَصِلْ

(والسَّاعةُ) قال النووي -رحمه اللَّه تعالى-: رُوي بنصبها، ورفعها، والمشهور نصبها على المفعول معه انتهى. وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: قيّدناه بالفتح، والضمّ، فأما الفتح: فهو على المفعول معه، والرفع على أنه معطوف على التاء في "بُعِثتُ"، وفُصل بينهما بـ"أنا" توكيدًا للضمير، على ما هو الأحسن عند النحويين، وقد اختار بعضهم النصب، بناءً على أن التشبيه وقع بملاصقة الأصبعين، واتصالهما، واختار آخرون الرفعَ، بحاء على أن التشبيه وقع بالتفاوت الذي بين رؤوسهما، ويعني أن ما بين زمان النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقيام الساعة قريبٌ، كقرب السبّابة من الوسطى، وهذا أوقع. واللَّه أعلم.

وقد جاء من حديث سهل - رضي اللَّه عنه -، عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال: "سَبَقْتُهَا بما سَبَقَتْ هذه هذه" (١)، يعني الوُسطى والسبّابة انتهى كلام القرطبي -رحمه اللَّه تعالى- (٢).

(كَهَاتَيْنِ) زاد في رواية مسلم: "ويقرُنُ بين إصبعيه السبّابة والوسطى"، فالإشارة في قوله: "كهاتين" إلى الإصبعين المذكورتين. قال السندي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: التشبيه في المقارنة بينهما، أي ليس بينهما إصبع أخرى، كما أنه لا نبيّ بينه - صلى اللَّه عليه وسلم - وبين الساعة، أو في قلّة التفاوت بينهما، فإن الوسطى تزيد على المسبحة بقليل، فكأن ما بينه - صلى اللَّه عليه وسلم - وبين الساعة


(١) - رواه الترمذي من حديث المستورد بن شدّاد رقم ٢٢١٣.
(٢) - "المفهم" ج ٢ ص ٥٠٦ - ٥٠٧.