للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في القلّة قدرُ زياده الوسطى على المسبّحة انتهى (١).

(وَكَانَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (إِذَا ذَكَرَ السَّاعَةَ احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ) ولفظ مسلم: "احمرّت عيناه". قال الفيوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الوجنة" من الإنسان: ما ارتفع من لحم خدّه، والأشهر فتح الواو، وحكي التثليث، والجمع وجَنَات، مثلُ سَجْدَة، وسَجَدَات انتهى. وقال المجد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الوجنة" مثلّثةً، وككَلِمَة، ومحرّكَةً، والأجْنَة مثلّثةً: ما ارتفع من الخدّ انتهى.

(وَعَلَا) أي ارتفع (صَوْتُهُ) بالرفع على الفاعلية (وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ) إنما يفعل النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - ذلك لإزالة الغفلة من قلوب الناس، ليتمكّن فيها كلامُهُ - صلى اللَّه عليه وسلم - فضلَ تمكّن، أو لأنه يتوجّه فكره إلى الموعظة، فيظهر عليه آثار الهيبة الإلهيّة.

واسْتُدلّ به على أنه يستحبّ للخطيب أن يفخّم أمر الخطبة، ويرفع صوته وُيجزل كلامه، ويكون مطابقًا للفصل الذي يتكلّم فيه، من ترغيب، أو ترهيب. ولعلّ اشتداد غضبه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان عند إنذاره أمرًا عظيمًا، وتحديده خَطْبًا جسيمًا (٢).

(كَأنَّهُ نَذِيرُ جَيْشٍ) ولفظ مسلم "منذر جيش"، و"النذير" فَعيل بمعنى مُفعِل، ومنذر الجيش هو الذي يجيء القوم مخبرًا لهم بما قد دَهَمَم، من عدوّ، أو غيره. يعني صفته - صلى اللَّه عليه وسلم - في حال الخطبة والموعظة كصفة من يُنذر قومًا بقرب جيش عظيم قَصَدَ الإغارةَ عليهم، فالضمير في قوله (يَقُولُ) للمنذر، والجملة صفته وقوله (صَبَّحَكُمْ) بتشديد الباء، وفاعله ضمير يعود إلى العدوّ المُنذَر منه، والضمير المنصوب يعود إلى المُنذَرِين، أي نَزَل بكم العدوّ وقت الصباح، والمراد أنه سينزل، وصيغة الماضي للتحقق.

مَثَّلَ حالَ الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم - في خطبته، وإنذاره بمجيء القيامة، وقرب وقوعها، وتَهالُك الناسِ فيما يُرْدِيهم بحال من يُنذر قومه عند غفلتهم بجيش قريب منهم، يقصد اجتياحهم بَغْتةً، من كلّ جانب، فكما أن المنذِر يرفع صوته، وتحمرّ وَجنتاه، ويشتدّ غضبه على تغافلهم، كذلك حال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ونظيره ما رُوي أنه لما نزل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، صَعِدَ الصفا، فجعل ينادي، يا بني فهر، يا بني عديّ … الحديث (مَسَّاكُمْ) بتشديد السين، مثل "صبّحكم"، ورواية المصنف "مسّاكم" بدون عاطف، والمعنى أتاكم إما صباحًا، وإما مساءً، ولفظ مسلم "ومسّاكم". بواو العطف.

ويحتمل أن يكون ضمير "يقول" للنبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، والجملة حال، وضمير "صبّحكم"، و"مسّاكم" للعذاب المفهوم من ذكر الساعة، والمراد أنه قريب منكم إن لم تطيعوني.


(١) - "شرح السندي" ج٣ ص ١٨٩.
(٢) - "شرح مسلم" ج٦ ص ١٥٥ - ١٥٦ ..