للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأن المراد به البدعة الشرعية، وهي التي أحدثت في الدين بعد كماله، ولا يشهد لها كتاب، ولا سنة، ولا إجماع.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: "قوله: فإن كل بدعة ضلالة"، بعد قوله: "وإياكم ومحدثات الأمور"، فإنه يدلّ على أن المحدث يسمّى بدعة، وقوله: "وكل بدعة ضلالة" قاعدة شرعية كلية بمنطوقها ومفهومها، أما منطوقها فكأن يُقال: حكم كذا بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، فلا تكون من الشرع، لأن الشرع كله هُدى، فإن ثبت أن الحكم المذكور بدعة صحت المقدّمتان، وأنتجتا المطلوب. والمراد بقوله: "كل بدعة ضلالة" ما أُحدث، ولا دليل له من الشرع بطريق خاصّ، ولا عامّ انتهى (١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه اللَه تعالى- في "منهاح السنة": إنما سماها عمر - رضي اللَّه عنه - يعني صلاة التروايح- بدعةً، لأن ما فُعل ابتداء بدعةٌ لغويةٌ، وليس ذلك بدعة شرعيّة، فإن البدعة الشرعيّة التي هي ضلالة ما فُعل بغير دليل شرعيّ، كاستحباب ما لم يحبّه اللَّه، وإيجاب ما لم يوجبه اللَّه، وتحريم ما لم يحرّمه اللَّه، وبه يندفع ما يقال: إن قول عمر: - رضي اللَّه عنه - "نعمت البدعة" مخالف لحديث: "كلُّ بدعة ضلاة" بأن المراد بالبدعة في الكلية البدعة الشرعيّة، والوصف بالحسن للبدعة اللغوية. وقال أيضًا: وفي وصفها بـ "نعمت" إشارة إلى أن أصلها سنة، وليست ببدعة شرعية حتى تكون ضلالة، بل بدعة لغوية، وهي حسنة، وقد تعتريها الأحكام الخمسة، والبدعة الشرعيّة ما ليس لها أصل في الشرع، فلا تكون إلا سيئة انتهى (٢).

ونقل الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في "الفتح"، عن الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ-، أنه قال: البدعة بدعتان: محمودة، ومذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالفها فهو مذموم. أخرجه أبو نعيم بمعناه من طريق إبراهيم بن الجنيد عن الشافعي، وجاء عن الشافعي أيضا ما أخرجه البيهقيّ في "مناقبه"، قال: المحدثات ضربان: ما أُحدث يخالف كتابًا أو سنّة، أو أثرًا، أو إجماعًا، فهذه بدعة الضلال، وما أحدث من الخير، لا يخالف شيئًا من ذلك، فهذه محدثة غير مذمومة انتهى.

وقسم بعض العلماء البدعة إلى الأحكام الخمسة، وهو واضح.

وقد ثبت عن ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - أنه قال: قد أصبحتم على الفطرة، وإنكم ستُحدثون، ويُحدَثُ لكم، فإذا رأيتم محدثة، فعليكم بالهدي الأول.

فمما حدث تدوين الحديث، ثم تفسير القرآن، ثم تدوين المسائل الفقهية المولّدة


(١) - "فتح" ١٣ ص ٢٦٧ - ٢٦٨.
(٢) - نقله في "المرعاة" ج ٤ ص ٣٢٧، ونقلته بتصرّف.