للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ عَائِشَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنها -، أنها (قَالَتْ: جَاءَ السُّودَانُ) المراد بهم الحبشة، لما في الرواية الآتية في الباب التالي: "وأنا أنظر إلى الحبشة، يلعبون في المسجد"، وفي رواية مسلم: "جاء حبش يلعبون في المسجد"، وفي رواية له: "والحبشة يلعبون بِحِرَابهم في مسجد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -".

قال في "الفتح": قال المحبّ الطبري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا السياق يُشعر بأن عادتهم ذلك في كلّ عيد، ووقع في رواية ابن حبّان "لما قَدِمَ الحبشة قاموا يلعبون في المسجد"، وهذا يشعر بأن الترخيص لهم في ذلك بحال القدوم، ولا تنافي بينهما لاحتمال أن يكون قدومهم صادف يوم عيد، وكان من عادتهم اللعب في الأعياد، ففعلوا ذلك كعادتهم، ثم صاروا يلعبون يوم كلِّ عيد.

ويؤيّده ما رواه أبو داود عن أنس - رضي اللَّه عنه - قال: "لما قدم النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - المدينة لَعِبَت الحبشة، فَرَحًا بذلك، لعبوا بحرابهم". ولا شك أن يوم قدومه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان عندهم أعظم من يوم العيد. قال الزين ابن المنيّر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: سماه لعبًا، وإن كان أصله التدريب على العرب، وهو من الجدّ، لما فيه من شبه اللعب، لكونه يَقصد إلى الطعن، ولا يفعله، ويوهم بذلك قرنه (١)، ولو كان أباه، أو ابنه انتهى (٢).

(يَلْعَبُونَ) جملة حالية من الفاعل (بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فِي يَوْمِ عِيدٍ) الظرف والجارّ والمجرور متعلقان بـ "يلعبون" (فَدَعَانِي) وفي رواية البخاري "فإِمّا سَألت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وإما قال: تشتهين، تنظرين".

قال في "الفتح": هذا تردّد منها فيما كان وقع له، هل كان أذن لها في ذلك ابتداءً منه، أو عن سؤال منها، وهذا بناءٌ على أن "سألْتُ" بسكون اللام على أنه كلامُها، ويَحتملُ أن يكون بفتح اللام، فيكون كلام الراوي، فلا ينافي مع ذلك قوله: "وإما قال: تشتهين تنظرين".

وقد اختلفت الروايات عنها في ذلك، ففي رواية النسائيّ -١٨/ ٨٩٥٧ - من طريق يزيد بن رُومان عنها: "سمعتُ لغَطًا، وصوت صبيان، فقام النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإذا حَبَشيّة تَزْفِن (٣) "أي تَرقُص" والصبيان حولها، فقال: "يا عائشة، تعالي، فانظري". ففي هذا


(١) - هكذا نسخة الفتح "قرنه" ولعل صوابه "قتله". واللَّه تعالى أعلم.
(٢) - "فتح" ج ٣ ص ١١٨.
(٣) - "زفن" من باب ضرب، و"رقص" من باب نصر.