للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بأنواع ما يحصّل لهم بسطَ النفس، وترويحَ البدن من كُلَفِ العبادة، وأن الأعراض عن ذلك أولى. ومنها: أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين. ومنها: جواز دخول الرجل على ابنته، وهي عند زوجها، إذا كان له بذلك عادة. ومنها: تأديب الأب ابنته بحضرة الزوج، وإن تركه الزوج، لقول عائشة: "وجاء أبو بكر، فانتهرني" إذ التأديب وظيفة الآباء، والعطف مشروع من الأزواج للنساء. ومنها: الرفق بالمرأة، واستجلاب مودّتها. ومنها: أن مواضع أهل الخير تُنزّه عن اللَّهو واللغو، وإن لم يكن فيه إثم، إلا بإذنهم. ومنها: أن التلميذ إذا رأى عند شيخه ما يستنكره مثله بادر إلى إنكاره، ولا يكون في ذلك افتيات على شيخه، بل هو أدبٌ منه، ورعاية لحرمته، وإجلال لمنصبه.

ومنها: فتوى التلميذ بحضرة شيخه بما يعرفه من طريقته، ويحتمل أن يكون أبو بكر ظنّ أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - نام، فخشي أن يستيقظ، فيغضب على ابنته، فبادر إلى سدّ هذه الذريعة. وفي قول عائشة - رضي اللَّه عنها -:"فلما غفل غَمَزتهُما، فخرجتا" دلالة على أنها مع ترخيص النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لها في ذلك راعت خاطر أبيها، وخشيت غضبه عليها، فأخرجتهما، واقتناعها في ذلك بالإشارة فيما يظهر للحياء من الكلام بحضرة من هو أكبر منها. ومنها: أنه استدلّ به على جواز سماع صوت الجارية بالغناء، ولو لم تكن مملوكة، لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم ينكر على أبي بكر سماعه، بل أنكر إنكاره، واستمرّتا إلى أن أشارت إليهما عائشة بالخروج. قال الحافظ. ولا يخفى أن محلّ الجواز ما إذا أُمنت الفتنةُ بذلك. ومنها: أنه استنبط من تسمية أيام منى بأنها أيام عيد مشروعيةُ قضاء صلاة العيد فيها لمن فاتته، كما تقدّم في بابه. واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: قال في "الفتح": استدلّ جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء، وسماعه بآلة، وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة - رضي اللَّه عنها - في الحديث بقولها في الجاريتين: "وليستا بمغنّيتين"، فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبتته لهما باللفظ، لأن الغناء يُطلق على رفع الصوت، وعلى الترنّم الذي تسميه العرب النّصْب -بفتح النون، وسكون المهملة- وعلى الْحُدَاء، ولا يسمى فاعله مغنيّا، وإنما يسمى بذلك من يُنشد بتمطيط، وتكسير، وتهييج، وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش، أو تصريح (١).

وقال القرطبي: قولها: "ليستا بمغنيتين"، أي ليستا ممن يَعرف الغناء، كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرّز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، الذي يحرّك النفوس، ويبعثها على الهوى، والغَزَل، والْمُجُون، الذي يُحرّك الساكن، ويَبعَث


(١) - "فتح" ج ٣ ص ١١٦ - ١١٧.