للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَن زَيدِ بْن ثَابِت) - رضي اللَّه تعالى عنه - (أَنْ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، اتَّخَذَ حُجْرَةً) بالراء قال الحافظ رحمه الَله تعالى: كذا للأكثر بالراء، ولأبي ذرّ عن الكشميهنيّ بالزاي، أي شيئًا حاجزًا، يعني مانعًا بينه وبين الناس.

قال في "المصباح": "الحُجْرة" أي بضم، فسكون-: البيت، والجمع حُجَر، وحُجُرَات، مثلُ غُرَف، وغُرُفات في وجوهها انتهى.

(فِي الْمَسْجِدِ) أي النبويّ، متعلق بـ "اتخذ"، أو بصِفَة لـ"حجرة"، وكذا قوله (مِنْ حَصِيرٍ) أو هو متعلق بحال محذوف من "حجرة".

والمعنى أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - حوّط في رمضان موضعا من المسجد بحصير، ليستره، فجعل الحصير كالْحُجْرة، ليصلي فيه التطوّع، ولا يمرّ بين يديه مار، ويتوفّر خشوعه، ويتفرّغ قلبه.

وفيه جواز مثل هذا في المسجد، إذا لم يكن فيه تضييق على المصلين، ونحوهم، ولم يتخذه دائمًا، لأن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يحتجزه بالليل، يصلي فيه، ويبسطه بالنهار، فيجلس عليه، كما في رواية عائشة - رضي اللَّه عنها -، عند الشيخين، وغيرهما (فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - فِيهَا) أي في تلك الحُجْرة.

واستُشْكِلَ صلاته - صلى اللَّه عليه وسلم - في المسجد، لأنه يلزم منه أن يكون تاركًا للأفضل الذي أَمَر الناس به، حيث قال. "صلّوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".

وأجيب عنه بأوجه:

منها: أن هذه الصلاة مما استُثنِيَ، لأن الأفضل عند الجمهور في صلاة التراويح المسجد.

ومنها: أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان معتكفًا، إن ذاك، والمعتكف لا يصلي إلا في المسجد.

ومنها: أنه إذا احتجر صار كأنه بيت بخصوصه.

ومنها: أن السبب في كون صلاة التطوّع في البيت أفضل عدم شَوْبه بالرياء غالبًا، والنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - منزّه عن الرياء في بيته، وفي غير بيته (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ويظهر لي وجه آخر، وهو أن ذلك لبيان الجواز، والنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - إذا فعل شيئًا للتشريع يكون أفضل في حقه، وإن كان في حقّ غيره أدون. واللَّه أعلم.


(١) - انظر "المرعاة"ج ٤ ص ٣١٢.