الجوابين من الخطّابي جماعةٌ من الشراح، كابن الجوزي، وهو مبنيّ على أن قيام الليل كان واجبا عليه - صلى اللَّه عليه وسلم - وعلى وجوب الاقتداء بأفعاله، وفي كلّ من الأمرين نزاع.
وأجاب الكرمانيّ بأن حديث الإسراء يدلّ على أن المراد بقوله تعالى:"ما يبدل القول لديّ" الأمنُ من نقص شيء من الخمس، ولم يتعرّض للزيادة انتهى.
لكن في ذكر التضعيف بقوله:"هن خمس، وهن خمسون" إشارة إلى عدم الزيادة أيضا، لأن التضعيف لا ينقص عن العشر.
ودفع بعضهم في أصل السؤال بأن الزمان كان قابلاً للنسخ، فلا مانع من خشية الافتراض. وفيه نظر، لأن قوله:"لا يبدّل القول لديّ" خبر، والنسخ لا يدخله على الراجح، وليس هو كقوله مثلاً لهم. صوموا الدهر أبدًا، فإنه يجوز فيه النسخ. قال الحافظ: وقد فتح الباري بثلاثة أجوبة أخرى: (أحدها): يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام، بمعنى جعل التهجّد في المسجد جماعةً شرطًا في صحة التنفّل بالليل، ويومىء إليه قوله في حديث زيد بن ثابت -يعني حديث الباب-: "حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلّوا أيها الناس في بيوتكم"، فمنعهم من الجمع في المسجد، إشفاقًا عليهم من اشتراطه، وأَمِنَ مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم. (ثانيها): يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية، لا على الأعيان، فلا يكون ذلك زائدًا على الخمس، بل هو نظير ما ذهب إليه قوم في العيد ونحوها. (ثالثها): يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصّة، فقد وقع في حديث عائشة أن ذلك كان في رمضان، وفي رواية سفيان ابن حسين:"خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر"، فعلى هذا يرتفع الإشكال، لأن قيام رمضان لا يتكرّر كل يوم في السنة (١)، فلا يكون ذلك قدرًا زائدًا على الخمس.
قال: وأقوى هذه الأجوبة الثلاثة في نظري الأول، واللَّه سبحانه، وتعالى أعلم انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-. وهو بحث نفيس، واللَّه تعالى أعلم.
{فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ) أي صلّوا النوافل التي لا تستحبّ فيها الجماعة، والتي لا تختصّ بالمسجد، كركعتي تحيّة المسجد، والأمرُ للاستحباب (فَإنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ) هذا عامّ في جميع النوافل والسنن، إلا النوافل التي هي من شعار الإسلام، كالعيد، والكسوف، والاستسقاء، وكذا ما يختص بالمسجد، كركعتي تحية المسجد.
قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد ورد هذا الحديث في صلاة رمضان فى مسجده - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإذا
(١) - هكذا نسخة "الفتح"، ولعل الصواب "بل في السنة" بزيادة "بل".