للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(إِنِّي نَهَيْتُهَا) هذا بيان لسبب عدم قربه منها (أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ شَيْئًا) "الشيعتان" الفرقتان، والمراد تلك الحروب التي جرت بين فرقتى عليّ ومعاوية - رضي اللَّه عنهما - (فَأَبَتْ فِيهَا، إِلا مُضِيَّا) أي امتنعت من قبول نصحي، ومضت على وجهها، حتى حصل وقعة الْجَمَل المشهور (فَأقْسَمْتُ عَلَيْهِ) أي حلفت عليه على أن يذهب معي (فَجَاءَ مَعِي، فَدَخَلَ عَلَيْهَا) أي بعد الاستئذان، ففي رواية مسلم: "فجاء، فانطلقنا إلى عائشة، فاستأذنّا عليها، فأذنت لنا، فدخلنا عليها" (فَقَالَتْ لِحَكِيمٍ: مَن هَذَا مَعَكَ؟) ولمسلم "فقالت: أحكيمٌ؟ فعرفَتْهُ، فقال: نعم، فقالت: ومن معك؟ قال: سعد (قُلْتُ: سَعدُ بْنُ هِشَام) خبر لمحذوف: أي أنا سعد بن هشام (قَالَتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قُلْتُ: ابْنُ عَامِرٍ، فَتَرَحُمَتْ عَلَيْهِ) أي دعت له بالرحمة، وفي الرواية الآتية ١٨/ ١٦٥١ - من طريق الحسن، عن سعد بن هشام: "قالت: رحم اللَّه أباك" (وَقَالَتْ: نعْمَ الْمَرْءُ، كَانَ عَامِرًا) هكذا في رواية المصنّف بنصب عامر، وفي رواية مسلم: "نعم المرء كان عامر" برفعه، وهو الظاهر، قال أبو البقاء الْعُكبريّ في إعراب الحديث، ص ٤٧٤ - ٤٧٦: "المرء" فاعل "نعم"، و"عامر" المخصوص بالمدح، و"كان" يجوز أن تكون زائدة، ويجوز أن تكون الجملة من "نعم" والمرفوعين بعدها خبر "كان"، ويكون في "كان" ضمير الشأن، كما تقول: كان نعم الرجل زيد، وزيد نعم الرجل كان، ليس من ضمير الشأن؛ لأن ضمير الشأن مُصدَّرٌ على الجملة، وإنما ينبغي أن يكون على هذا اسم كان مضمرًا فيها، وهو عامر، وتكون الجملة المتقدّمة خبرًا لها مُقدّمًا، ونظير زيادة "كان" ههنا زيادتها في التعجّب، كقولك: ما كان أحسن زيدًا. انتهى كلام أبي البقاء.

وزاد في رواية مسلم: "قال قتادة: وكان أصيب يوم أحد". يعني إنما ترحمت عليه عائشة - رضي اللَّه عنها -، ومدحته لأنه كان ممن استشهد يوم أحد (قَالَ) ولمسلم "فقلت" (يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أَنْبئِيني) أي أخبريني، ولأبي داود "حدثيني" (عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي عن صفاته الطبيعية، والخُلُق بضم المعجمة، واللام، وقد تسكن، في الأصل مَلَكَة راسخة في النفس، تَصدُر عنها الأفعال بسهولة، فإن صدر عنها المحمود عقلاً وشرعًا، فهي الخلق الحسن، وإلا فهي الخلق السيّء، والمراد به هنا ما كان عليه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - من الآداب والمكارم (قَالَتْ: أَلَيْسَ تَقْرَأُ القُرْآن؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَت: فإن خُلُقَ نَبيٍّ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - الْقُرْآنُ) قال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه العمل بالقرآن، والوقوف عند حدوده، والتأدّب بآدابه، والاعتبار بأمثاله، وقصصه، وتدبّره، وحسن تلاوته انتهى.

فكان - صلى اللَّه عليه وسلم - متمسكًا بآدابه، وأوامره، واقفًا عند حدوده، معتبرًا بأمثاله وقصصه، محسّنًا لتلاوته، فكان عاملاً بقول اللَّه تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ