الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩]، وقوله تعالي إخبارًا عن لقمان:{أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}[لقمان: ١٧]، وقوله:{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ}[المائدة: ١٣]، وغير ذلك، متحلّيًا بما حثّ عليه اللَّه تعالى بنحو قوله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[النحل: ٩٠]، وقوله:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[الشورى: ٤٠]، وقوله:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[الشورى: ٤٣]، متجنّبًا ما نهى اللَّه عنه، بنحو قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} الآية [الحجرات: ١١]. وبالجملة، فكلّ ما قصّ اللَّه تعالى في كتابه عن الأنبياء وغيرهم، من مكارم الأخلاق، أو حثّ عليه، أو ندب إليه، أو ذكر بالوصف الأتمّ، والنعت الأكمل، كان النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - متحلّيًا به، ومتوليًا له، ومتخلّقًا به، وبالغًا فيه من المراتب أقصاها، حتى جمُع له من ذلك ما تفرّق في سائر الخلق، وكلّ ما نهى اللَّه عنه كان - صلى اللَّه عليه وسلم - لا يحوم حوله، بل كان أبعد الناس منه، ولذا أثنى اللَّه تعالى عليه بأعظم الثناء، حيث قال:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: ٤].
(فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ) زاد في رواية مسلم: "ولا أسأل أحدًا عن شيء، حتى أموت".
يعني أن سعدًا أراد أن يقوم من عند عائشة - رضي اللَّه عنها -، حيث أجملت له ما كان عليه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - من مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، على وجه أكمل، وأوجز، حينما أحالته على القرآن الكريم الجامع لكلّ صفات الكمال، والمنفّر عن كلّ ذميم الخصال، فيمكنه تتبع أخلاقه - صلى اللَّه عليه وسلم - منه إجمالاً وتفصيلاً، فلا يبقى عليه حاجة إلى سؤال شيء من أخلاقه - صلى اللَّه عليه وسلم -، كما قال تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٣٨]، وقوله:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: ٨٩]، وهذا من فصاحة عائشة - رضي اللَّه عنها -، وغزارة علمها، حيث أوجزت، وأبلغت، وأتقنت (فَبَدَا لِي قِيَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي ظهر لي السؤال عن كيفية قيامه - صلى اللَّه عليه وسلم - في الليل (فَقَال) ولمسلم: "فقلت"(يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أَنْبئِينِي عَنْ قِيَامِ نَبِيِّ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قَالَتْ: أَلَيسَ تَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}[المزمل: ١]) بدل من "هذه السورة"(قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- افْتَرَضَ) وفي نسخة "فرض"(قِيَامَ اللَّيْل، فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ) أي في قوله: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}(فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وَأَصْحَابُهُ، حَوْلَا) أي سنة كاملة (حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ) أي من طول قيامهم (وَأَمْسَكَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- خَاتِمَتَهَا، اثنَيْ عَشَرَ شَهْرًا) هو معنى قولها: "حولَا"(ثُم أَنزَلَ اللَّهُ عَز وَجَل، التخْفِيفَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ) أي في قوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} الآية [المزّمّل: ٢٠]، (فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا، بَعدَ أَنْ كَانَ فَرِيضَةً) قال النووي -رحمه اللَّه تعالى-: هذا ظاهر أنه صار