للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تطوعا في حق رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - والأمة، فأما الأمة، فهو تطوع في حقهم بالإجماع، وأما النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فاختلفوا في نسخه في حقّه، والأصحّ عندنا نسخه. وأما ما حكاه القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- عن بعض السلف أنه يجب على الأمة من قيام الليل ما يقع عليه الاسم، ولو قدر حلب شاة، فغلط، ومردود بإجماع مَنْ قبله، مع النصوص الصحيحة أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس انتهى.

(فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ، فَبَدَا لِي وِترُ رَسُولِ اللَهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي ظهر لي السؤال عن وتره - صلى اللَّه عليه وسلم - (فَقُلتُ: يَا أُمَّ الْمُؤمِنِين، أَنبِئِيني عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي عن وقته، وكيفيته، وعدد ركعاته (قَالَتْ: كُنَّا نُعِدُّ) من الإعداد، أي نهيّء (له سِوَاكَهُ، وَطَهُورَهُ) بفتح الطاء، أي الماء الذي يتطهر به، وفيه استحباب إعداد ذلك، والتأهب بأسباب العبادة قبل وقتها، والاعتناء بها (فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-) أي يوقظه (لِمَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ) اللام للتوقيت، أي في الوقت الذي شاء أن يوقظه فيه، ويحتمل أن يكون بفتح اللام، وتشديد الميم، فتكون بمعنى "حين"، أي يوقظه حين شاء اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- (مِنَ اللَّيْلِ) أي في بعض ساعات الليل، وأوقاته، فـ"من" تبعيضية، وقيل: بيانية (١) (فَيَتَسَوَّكُ) أي يستعمل السواك، وفيه استحباب السواك عند القيام من النوم (وَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي ثَمَانِيَ) وفي نسخة "ثمان" (رَكَعَاتٍ) هذا من الأخطاء في هذه الرواية، وسيأتي أن الصواب "تسع ركعات" (لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ) أي في خلال تلك الركعات (إِلاَّ عِنْدَ الثَّامِنَةِ) فيه الردّ على الحنفية القائلين بوجوب الجلسة عند كلّ ركعتين، لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يصلي ثمانيًا متصلا، بلا تخلّل جلسات بينها على الشفعات.

وأجابوا بأن المراد بالجلسة المنفية الجلسة الخالية عن السلام، قالوا: فالوتر منها ثلاث ركعات، والست قبله من النفل. قال العيني: وهذا اقتصار منها على بيان جلوس الوتر وسلامه، لأن السائل إنما سأل عن حقيقة الوتر، ولم يسأل عن غيره، فأجابته مبيّنة بما في الوتر من الجلوس على الثانية بدون سلام، والجلوس أيضًا على الثالثة بسلام، وسكتت عن جلوس الركعات التي قبلها، وعن السلام فيها، كما أن السؤال لم يقع عنها، فجوابها قد طابق سؤال السائل انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله العيني مكابرة، وتحريف للنصّ الصريح -قاتل اللَّه التعصّب- كيف يقول: وسكتت عن جلوس الركعات التي قبلها الخ، وقد صرّحت بقولها: لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فأين السكوت المزعوم،


(١) - "المرعاة" ج ٤ ص ٢٦٤.
(٢) - "المرعاة" ج ٤ ص ٢٦٥.