فتبصّر بالإنصاف، ولا تَتَهَوَّرْ بتقليد ذوي الاعتساف.
والحاصل أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أوتر بتسع ركعات، جلس في الثامنة بلا تسليم، وفي التاسعة بتسليم، ولم يجلس في غيرهما، وهذه إحدى أنواع إيتاره - صلى اللَّه عليه وسلم -.
(يَجْلِسُ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-) أي يقرأ التشهد (وَيَدْعُو، ثُم يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا، يُسْمِعُنَا) من الإسماع، أي يرفع صوته بالتسليم بحيث نسمعه، وهذا أيضًا من الأخطاء، فإن هذا التسليم بعد التاسعة، لا بعد الثامنة، كما يأتي (ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ) فيه مشروعية ركعتين بعد الوتر عن جلوس، وقد ذهب إليه بعض أهل العلم، وجعل الأمر في قوله:"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا، مختصّا بمن أوتر آخر الليل، وحمله النووي على أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - فعل ذلك لبيان جواز النفل بعد الوتر، وجواز التنفل جالسًا، يعني أن الأمر فيه أمر ندب، لا أمر إيجاب، فلا تعارض بينهما.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله النووي -رحمه اللَّه تعالى- من وجه الجمع هو الصواب عندي، وأما ما جمع به الشوكاني -رَحِمَهُ اللَّهُ- من أنه لا يعارض فعله قوله، فالجواز مختصّ به، والأمر مختص بالأمة، فليس بصحيح، وقد تقدم الرد عليه غير مرة، فتنبّه واللَّه تعالى أعلم.
(ثُم يُصَلِّي رَكْعَةً) وهذا من الأخطاء أيضًا، فإن الصواب أن هذه الركعة قبل الركعتين اللتين يصليهما، وهو جالس، وهذا هو الخطأ الذي أشار إليه المصنف -رحمه اللَّه تعالى- في آخر الحديث.
(فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يَا بُنَيَّ، فَلَما أَسَنَّ رَسُولُ اللَهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي كبر سِنُّهُ (وَأَخَذَ اللَّحْمَ) وفي نسخة "وأخذه اللحم". قيل: أي السمن، وقيل: معناه ضَعُفَ، وكان ذلك قبل موته بنحو سنة، على ما قيل.
وقال السندي -رحمه اللَّه تعالى-: فيه أنه أخذ اللحم في آخر عمره - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولعلّ ذلك لفرحه بقدومه على اللَّه بما جاءه من البشارات الأخروية - صلى اللَّه عليه وسلم - انتهى. (أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، بَعْدَ مَا سَلَّم) وفي نسخة "يسلّم" (فَتِلْكَ تِسْعُ ركَعَاتٍ، يَا بُنَيَّ) فنقص ركعتين من التسع لأجل الضعف (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، إِذَا صَلى صَلَاة) أي من النوافل، وفي نسخة "إذا صلى الصلاة" بالتعريف (أَحَبَّ أَنْ يَدُومَ عَلَيهَا) وفي نسخة "أن يداوم"، أي لأن أحب الأعمال إلى اللَّه تعالى أدومها (وَكَانَ إِذَا شَغَلَهُ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ نَوْمٌ، أَوْ مَرَضٌ، أَوْ وَجَعٌ) كمَرَضٍ وَزْنًا ومعنى، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يقال: وجِع فلانًا رأسُهُ، أو بطنُهُ، يُجعل الإنسان مفعولاً، والعضوُ فاعلاً، وقد يجوز العكس، وكأنه على القلب، لفهم المعنى، يَوجَعُ وَجَعًا، من باب تَعِبَ، فهو وَجِعٌ: أي مريض متألّم، ويقع