الوجع على كلّ مرض، وجمعه أَوْجاع، مثل سبب وأسباب، ووِجَاع أيضًا بالكسر، مثل جَبَل وجِبَال انتهى. فيكون عطفه على "مرض" للتأكيد (صَلَّى مِنَ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةَ) تعني أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - إذا منعه من قيام الليل مانع صلى بالنهار ثنتي عشرة ركعة بدلاً مما فاته من قيام الليل، وهو ظاهر في كونه يقتصر في القضاء على ثنتي عشرة ركعة فقط.
وإنما لم تذكر الوتر لأنه لم يقضه، فلعلّه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان إذا طرأ عليه ما يفوّت صلاة الليل بادر بالوتر فأوتر بالليل، وأخر غيره، فقضاه بالنهار. واللَّه تعالى أعلم. وقال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا فيه دليل على استحباب المحافظة على الأوراد، وأنها إذا فاتت تُقضَى انتهى.
(وَلَا أَعْلَمُ أَن نَبِيَّ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةِ) تعني أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - ما ختم القرآن كله في ليلة واحدة (وَلَا قَامَ لَيْلَةً كَامِلَةً، حَتَّى الصَّبَاحَ) هذا على حسب علمها - رضي اللَّه عنها -، كما يدلّ عليه قولها:"ولا أعلم"، وإلا فقد ثبت في حديث خبّاب ابن الأرتّ - رضي اللَّه عنه - الآتي ١٦/ ١٦٣٨ أنه راقب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في ليلة، فصلى الليلة كلها حتى كان مع الفجر (وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلاً، غَيْرَ رَمَضَانَ) هذا لا ينافي ما ثبت عنها أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يصوم شعبان كله، لأن المراد به أنه يصوم أكثره، كما سيأتي في محله، إن شاء اللَه تعالى وقوله:(فَأتَيْتُ ابْنَ عَباسٍ) من كلام سعد بن هشام: أي ثم، بعد ما سمعت الحديث من عائشة - رضي اللَّه عنها -، جئتُ إلى ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - لأخبره بما سمعت منها حيث طلب مني ذلك (فَحَدَثْتُهُ بِحَدِيثِهَا، فَقَالَ) أي ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - (صَدَقَتْ، أَمَا) أداة استفتاح وتنبيه، مثل "ألا"(إِنِّي لَوْ كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَيْهَا) قيل: سبب عدم دخوله عليها هو السبب الذي تقدّم في عدم دخول حكيم بن أفلح عليها، وهو الأمر الذي كان بين علي ومعاوية - رضي اللَّه عنهما - (لَأَتَيْتُهَا، حَتى تُشَافِهَنِي مُشَافَهَةً) أي حتى تكلمني بهذا الحديث مشافهة. زاد في رواية مسلم:"قلت لو علمت أنك لا تدخل عليها ما حدّثتك حديثها"، وهذا قاله سعد معاتبة لابن عباس على مقاطعته إياها، وعدم دخوله عليها.
[فإن قيل]: كيف جاز لابن عباس مقاطعتها، وقد صح عنه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" متفق عليه؟.
[أجيب]: بأنه ليس المنهي عنه ترك الكلام مطلقا، وإنما المنهي عنه الإعراض، وترك الكلام عند اللقاء، كما يدلّ عليه قوله:"يلتقيان الخ"، وابن عباس لم يترك الكلام عند اللقاء، بل ترك الدخول عليها، والقرب منها.
أو يقال: إن مقاطعته لها، لا لغرض نفسيّ، بل لأمر دينيّ في ظنه، وذلك أنه ظنّ أنها عاصية في دخولها في أمر الشيعتين المتقدّمتين، ولا شكّ أن هجران العاصي جائز.