للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ يَا أُمَّ صَفْوَانَ أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ؟ قَالَتْ وَمَا قَالُ لَكَ قَالَ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ بِمَكَّةَ. قَالَ: لَا أَدْرِي. فَقَالَ أُمَيَّةُ وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ. اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ فَقَالَ أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ، فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ يَا أَبَا صَفْوَانَ إِنَّكَ مَتَى يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حتى قال أما إذ عبتنى فو الله لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بِعِيرٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ يَا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي فَقَالَتْ لَهُ يَا أَبَا صَفْوَانَ وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ قَالَ لَا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبًا، فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ بِبَدْرٍ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِهِ نَحْوَهُ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ خَلَفِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ إِسْرَائِيلَ وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَا يَكْذِبُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ جَهَازِهِمْ وأجمعوا المسير ذكروا ما كانوا بينهم وبين بنى بكر ابن عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ مِنَ الْحَرْبِ. فَقَالُوا إِنَّا نَخْشَى أَنْ يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا وَكَانَتِ الْحَرْبُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فِي ابْنٍ لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ قَتْلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ بِإِشَارَةِ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوَّحِ، ثُمَّ أَخَذَ بِثَأْرِهِ أَخُوهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَتَلَ عَامِرًا وَخَاضَ بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ جَاءَ مِنَ اللَّيْلِ فَعَلَّقَهُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَخَافُوهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُمْ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ لَمَّا أجمعت قريش المسير ذكرت الّذي كان بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فَكَادَ ذَلِكَ أَنْ يَثْنِيَهُمْ، فَتَبَدَّى لَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ ابن مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ. فَقَالَ: أَنَا لَكُمْ جَارٌ مِنْ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ مِنْ خَلْفِكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَخَرَجُوا سِرَاعًا. قُلْتُ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالله بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ، وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقال لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ الله وَالله شَدِيدُ الْعِقابِ ٨: ٤٧- ٤٨ غرهم لعنه الله حتى ساروا وسار معهم منزلة منزلة ومعه جنوده وراياته كما قاله غير واحد منهم، فأسلمهم لمصارعهم.

فلما رأى الجد والملائكة تنزل للنصر وعاين جبريل نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ الله. وهذا كقوله تعالى كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهُ رَبَّ الْعالَمِينَ ٥٩: ١٦ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ١٧: ٨١ فَإِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ لَمَّا عَايَنَ الْمَلَائِكَةَ يَوْمَئِذٍ تَنْزِلُ لِلنَّصْرِ فَرَّ ذَاهِبًا فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>