البخاريّ:"أن يبعثنا بعثنا"(بَعَثَهَا) أي أيقظها، وأصله إثارة الشيء من موضعه.
(فَانْصَرَفَ) أي رجع (رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، حِينَ قُلتُ لَهُ ذَلِكَ) زاد في رواية البخاري: "ولم يَرجع إليّ شيئًا". أي لم يُجبني، وفيه أن السكوت يكون جوابًا، والإعراض عن القول الذي لا يطابق المراد، وإن كان حقّا في نفسه (ثُمّ سَمِعْتُهُ، وَهُوَ مُدْبِرٌ) لفظ البخاريّ: "مُوَلٍّ"(يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وَيَقُول:{وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}[الكهف: ٥٤]) هذا إنكار لجدل علي - رضي اللَّه عنه -, لأنه تمسك بالتقدير، والمشيئة في مقابلة التكليف، وهو مردود، ولا يتأتى إلا عن كثرة جدله، نعم التكليف هنا ندبيّ، لا وجوبي، فلذلك انصرف - صلى اللَّه عليه وسلم - عنهما , ولو كان وجوبيا لما تركهما على حالهما. أفاده السندي -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى.
وقال النووي -رحمه اللَّه تعالى-: المختار في معناه أنه تعجب من سُرعة جوابه، وعدم موافقته له على الاعتذار بهذا , ولهذا ضرب فخذه، وقيل: قاله تسليما لعذرهما، وأنه لا عتب عليهما انتهى.
وقال في "الفتح": فيه جواز ضرب الفخذ عند التأسف، وقال ابن التين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كره احتجاجه بالآية المذكورة، وأراد منه أن ينسُب التقصير إلى نفسه. وفيه جواز الانتزاع من القرآن، وترجيح قول من قال: إن اللام في قوله: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ} للعموم، لا لخصوص الكفار. وفيه منقبة لعليّ - رضي اللَّه عنه -، حيث لم يكتم (١) ما فيه عليه أدنى غَضَاضة، فقدّم مصلحة نشر العلم، وتبليغه على كتمه.
ونقل ابن بطال عن المهلب، قال: فيه أنه ليس للإمام أن يُشدّد في النوافل، حيث قنع - صلى اللَّه عليه وسلم - بقول عليّ - رضي اللَّه عنه -: "أنفسنا بيد اللَّه"، لأنه كلام صحيح في العذر عن التنقل، ولو كان فرضًا ما عذره. قال: وأما ضربه فخذه، وقراءته الآية، فدالّ على أنه ظنّ أنه أحرجهم، فندم على إنباههم. كذا قال، وأقرّه ابن بطال، قال الحافظ: وليس بواضح، وما تقدم أولى. انتهى .. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث علي - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له:
أخرجه هنا ٥/ ١٦١١ - وفي "الكبرى" - ١١/ ١٣١١ - بالإسناد المذكور. وفي ٥/
(١) - يعني بذلك تحديث علي - رضي اللَّه عنه - بهذا الحديث للناس بعد النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -.