وفيه دليل على عدم كراهة إحياء كل الليل في بعض الأحيان، ولا ينافي ما ثبت عن عائشة - رضي اللَّه عنها -، أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - ما قام ليلة كلها, لأن ذلك محمول على غالب أحواله - صلى اللَّه عليه وسلم -.
(حَتَّى كَانَ مَعَ الْفَجْرِ) اسم "كان" ضمير يعود إلى الانتظار، والظرف خبرها، أي حتى كان الانتظار، منتهيا مع الفجر (فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - مِنْ صَلَاتهِ) أي في تلك الليلة (جَاءَهُ خَبَّابٌ) - رضي اللَّه عنه - (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بأبِي أَنْتَ وَأُمى) متعلق بفعل محذوف، والأصل أَفْديك بأبي، وأمّي، فحذف الفعل، وانفصل الضمير، أو "أنت" مبتدأ، والجار والمجرور متعلق بخبر مقدّر، أي أنت مَفْديّ بأبي وأمي (لَقَدْ صَلَّيْتَ اللَّيْلَةَ) بالنصب على الظرفية لما قبله (صَلَاةً، مَا رَأَيْتُكَ صَلَّيْتَ نَحْوَهَا، فَقالَ رَسُول اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أَجَلْ) قال ابن محظور -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أجل" بفتحتين بمعنى "نعَمْ"، وقولههم: أجل هو جواب مثل نعم، قال الأخفش: إلا أنه أحسن من نعم في التصديق، ونعم أحسن منه في الاستفهام، فإذا قال: أنت سوف تذهب، قلت. أجلْ، وكان أحسن من نعم، وإذا قال: أتذهب؟ قل: نعم، وكان أحسن من أجل، وأَجَل تصديق لخبر يُخبرك به صاحبك، فيقول: فعل ذلك، فتصدّقه، بقولك له: أجل، وأما نعم فهو جواب المستفهم بكلام لا جَحْد فيه، تقول له: هل صلّيت؟ فيقول: نعم، فهو جواب المستفهم انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما هنا موافق لما قاله الأخفش, فخبّاب - رضي اللَّه عنه - أخبر النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بما فعله تلك الليل، متعجبًا من تطويله الصلاة، فأجابه بـ "أجل". واللَّه تعالى أعلم.
(إِنَّهَا صَلَاةُ رَغَبٍ وَرَهَبٍ) وفي نسخة "رغبة، ورهبة". يقال: رَغبتُ في الشيء، ورَغِبتُهُ، يتعدّى بنفسه أيضًا، من باب تَعِب: إذا أردته, رَغَبًا بفتح الغين, وسكونها, ورَغْبَى بفتح الراء، وضمها، ورَغْباء بالفتح والمدّ.
ويقال: رَهِب رَهَبَا، من باب تَعِبَ: خاف، والاسم الرهبة. وأما الرغْبَة، والرهْبَة، فالتاء فيه لتأنيث المصدر، والجمع رَغَبَات، ورَهَبَات، مثل سَجْدة، وسَجَدَات أفاده في "المصباح".
يعني أن هذه صلاةٌ، رَغِبتُ بها فيما وعد اللَّه تعالى من استجابة دعاء من دعاه، ورَهِبت فيها أن يُخَيّب أملي في ذلك. واللَّه تعالى أعلم. وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-