للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللَّه تعالى عنه - (يَقُولُ، قَامَ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي في صلاة الليل، وفي رواية البخاريّ، من طريق مِسعَر، عن زياد: "إن كان النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لَيقوم، أو ليصلي" (حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ،) أي انتفخت من طول القيام، وفي رواية البخاري المذكورة: "حتى تَرِمَ قدماه"، أو "ساقاه".

(فَقِيلَ لَهُ) لم يُسمّ القائل في حديث شعبة، وفي حديث عائشة - رضي اللَّه عنها -: فقالت له عائشة. لِمَ تصنع هذا يا رسول اللَّه … " (قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ، وَمَا تَأَخَّرَ) وفي حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، عند البزّاز: "فقيل له: تفعل هذا، وقد جاءك من اللَّه أن قد غفر لك؟ ". (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا") الفاء للسببية، عن محذوف، تقديره، أأترك تهجّدي، فلا أكون عبدًا شكورًا. والمعنى أن المغفرة سبب لكون التهجّد شكرًا، فكيف أتركه.

قال ابن بطال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في هذا الحديث أخذ الإنسان على نفسه بالشدّة في العبادة، وإن أضرّ ذلك ببدنه؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له، فكيف بمن لم يعلم بذلك، فضلاً عمن لم يأمن أنه استحقّ النار انتهى.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ومحلّ ذلك ما إذا لم يُفض إلى الملال, لأن حال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - كانت أكمل الأحوال، فكان لا يملّ من عبادة ربّه، وإن أضرّ ذلك ببدنه، بل صحّ أنه قال: "وجُعِلَت قرّة عيني في الصلاة"، كما أخرجه النسائيّ من حديث أنس - رضي اللَّه عنه - (١).

فأما غيره - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإذا خشي الملل لا ينبغي له أن يُكرِه نفسه، وعليه يُحمل قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في الحديث السابق: "خذوا من الأعمال ما تطيقون" الحديث.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ظن من سأله عن سبب تحمّله المشقّة في العبادة أنه إنما يعبد اللَّه خوفًا من الذنوب، وطلبًا للمغفرة والرحمة، فمن تحقق أنه غُفر له لا يحتاج إلى ذلك، فأفادهم أن هناك طريقًا آخر للعبادة، وهو الشكر على المغفرة، وإيصال النعمة لمن لا يستحقّ عليه فيها شيئًا، فيتعيّن كثرة الشكر على ذلك، والشكر الاعتراف بالنعمة، والقيام بالخدمة، فمن كثر ذلك منه سُمّي شَكُورًا، ومن ثَمّ قال سبحانه وتعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣]. انتهى .. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته: حديث المغيرة بن شعبة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متفق عليه.


(١) - سيأتي في "كتاب عشرة النساء" ١/ ٣٩٣٩ و ١/ ٣٩٤٠.