قال ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطّان، عن عثمان بن غياث، هو ابن عثمان أنه حدثه، قال: كان الرجل يجيء، وعمر بن الخطّاب يصلي بالناس، فيصلي ركعتين في مؤخّر المسجد، ويضع جنبه في الأرض، ويدخل معه في الصلاة.
وممن قال باستحباب ذلك، من الأئمة الشافعيّ، وأصحابه.
القول الثاني: أن الاضطجاع بعدهما واجب مفترض، لا بدّ من الإتيان به، وهو قول أبي محمد ابن حزم، واستدلّ بحديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا:"إذا صلّى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح، فليضطجع على جنبه الأيمن". رواه أحمد، وأبو داود، والترمذيّ، وصححه.
وحمله الأولون على الاستحباب، لقول عائشة - رضي اللَّه عنها -: "كان إذا صلى ركعتي الفجر، فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع". متفق عليه، فإن ظاهره أنه كان لا يضطجع مع استيقاظها، فكان ذلك قرينة لصرف الأمر إلى الندب.
قال الشوكانيّ: وفيه أن تركه - صلى اللَّه عليه وسلم - لِمَا أَمَرَ به أمرا خاصّا بالأمة، لا يعارض ذلك الأمر الخاصّ، ولا يصرفه عن حقيقته، كما تقرر في الأصول انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى- فيه نظر لا يخفى، وقد تقدم غير مرّة الردُّ على قوله هذا، وأن الراجح أن الفعل في مثل هذا يصلح صارفا للأمر عن الوجوب، وأن الخصوصية لا بدّ لها من دليل غير المعارضة المذكورة، بدليل أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لما نهاهم عن الوصال، قالوا: إنك تواصل، فقال:"إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي، ويَسقيني" متفق عليه.
ففيه أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أقرّهم على ما استدلّوا به من جواز الوصال بدلالة فعله، مع نهيه لهم عنه بالقول سابقًا، فلولا الخصوصية التي عللَّها بأنه له مُطْعِمًا وساقيًا، لكان استدلالهم صحيحا، ولو كان القول مقدّما على الفعل، كما زُعِمَ، لأجابهم بأن قوله لا يُعارَض بفعله.
فقد تبيّن بهذا أن فعله - صلى اللَّه عليه وسلم - الذي لا دليل على كونه خاصًا به إلا كونه معارِضا للقول، يجوز تخصيص عموم القول به، وتقييد مطلقه، وصرف الأمر به عن الوجوب إلى الإباحة، والنهي عن التحريم إلى التنزيه.
والحاصل أنَ تركه - صلى اللَّه عليه وسلم - للاضطجاع هنا يصلح لصرف الأمر به إلى الندب، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
القول الثالث: أن ذلك مكروه، وبدعة، وممن قال به من الصحابة ابن مسعود، وابن